0
يا أهل التغريب ... أدركوا اللحظة الفارقة

لست أشك أن رؤوس التغريب ستختفي هذه اللحظات التاريخية، فبعد تسديدهم الضربة الأخيرة في جامعة نورة وتهديدهم للأعراض ستعود الرؤوس إلى جحورها لجسِّ نبض المجتمع المتدين ومدى غيرته على أعراضه، ولست أشك أيضا أنه حين تكون ردة الفعل باردةً؛ فالمستقبل ينطوي على ضربات أخرى تضرب في العمق، فلن تهدأ العصابة حتى تنقلب العفيفات الطاهرات إلى فتيات متعة وتزجية الفراغ في بهو الماريوت!

حين تتحدث عن عجلة التغريب التي تدوس كل يوم صرحا من صروح الفضيلة؛ فإنك لا تتحدث عن مشاريع تدار في جنح الظلام، وخطط تبحث عن مستندات لها محسوسة، بل كل المجتمع أصبح يدرك أولئك الذين يتآمرون على شرفِ العفيفات، ومن المعلوم أن المجتمع ربما يصبر على اليد التي امتدت لأمواله، لكنه لن يصبر على امتهان فضيلة نسائه، وما أخبار الاعتصامات التي صرنا نسمع عنها بسبب الحماقة التي ارتكبها قليلو المروءة إلا لونا من ألوان نفاد الصبر!

حسنا.. لدى القارئ سؤال أشعرُ به الآن ، وهو: ما المطلوب من هذا المجتمع الذي يُستهدف في أهله وأعراضه؟!

مِنَ المطلوب على أهل الغيرة توزيع الأدوار بشكل جيد، وقيام كل مسلم على ثغر الفضيلة وهو يستشعر فيه أنه يحمي أهله وذويه!

فالحرب المنظمة على العفاف لن يغلبها إلا أفعال منظمة، ومن أكثر ما يخشى على أهل الغيرة وعموم المجتمع حين تستعرُ حرب التغريب أمران:

1-الرضوخ والاستسلام لضربات التيار التغريبي الأهوج، وذلك بإشاعة روح الانهزامية بأن المجتمع يدار بأيدي هؤلاء المتنفذين الكبار، فلا قدرة على سحب البساط من صاحب القرار، فبالتالي يظل الناس متفرجين على أعراضهم وهي تحت رحمة التغريبيين ، ويندفع آخرون حمايةً لأعراضهم بتصرفات غير محسوبة، وهذا من أخطر ما يهدد المجتمع المسلم ويحيله مواتا لا حول له ولا قوة، فمن الواجب على أهل الغيرة والدعوة وذوي العلم أن يبثوا في الناس روح العمل الإيجابي، وينتدبوهم للدفاع عن الأعراض مهما توحش التغريب، فليست الهزيمة في أن يحقق العدو أهدافه ونحن نقاوم بكل ما نستطيع من منافذ مشروعة، إنما الهزيمة أن يتحكم التغريبي في أعراض المسلمات ونحن نتفرج! والعمل الإيجابيُّ مهما كانت قوى الباطل نافذةً هو منهج قرآني صميم فـ(ما على الذين يتقون من حسابهم من شيء) ، ويبارك الله دوما في جهود العاملين، ويقر أعينهم بتحقيق آمالهم كلما امتثلوا أمره وصانوا الأعراض التي عظَّم سبحانه شأنها، وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى (وإذ قالت طائفة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم) قصةً تحكي هذا المنهج القويم ، فلما نهى الله بني إسرائيل عن الصيد يوم السبت انقلب بنو إسرائيل إلى ثلاث طوائف، العاصي، والمذعن لأمر الله، والقاعد،  فلنأخذ تلك القصة برواية أبي عبدالله القرطبي في تفسيره هذه الآية؛ قال:
(قال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق، وهو الظاهر من الضمائر في الآية، فرقة عصت وصادت، وكانوا نحوا من سبعين ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وإن هذه الطائفة قالت للناهية: لم تعظون قوما-تريد العاصية- الله مهلكهم أو معذبهم على غلبة الظن، وما عهد من فعل الله تعالى حينئذ بالأمم العاصية، فقالت الناهية: موعظتنا معذرة إلى الله لعلهم يتقون).
  فانظر كيف ساق الله حجة هؤلاء الناهين على القاعدين .. هل انتهت القصة هنا؟!
كلا!
  فالمشهد لا يزال ناقصا، ويكتمل الفصل الأخير منه بهذه الآية التي من قرأها بتمعن قفز قلبه من بين الضلوع وطمع أن يكون من أولئك الناجين حين ينزل العذاب ، تأمل  قول الله بعد الآية السابقة (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذابٍ بئيس بما كانوا يفسقون) ، وهذا المعنى (نجاة المصلحين) شهيرٌ متواردٌ في كتاب الله كنحو قول الله (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) فالنجاة لا تكون بالقعود والصلاح الذاتي وإنما بالإصلاح المتعدي.

  2-الانخداع بخط الدفاع الأولي في جيش التغريب، ألا وهم ثلة من المنتسبين للشريعة ركبوا أهواءهم وغدوا مطيَّة للمتنفذ، وهذه الثلة كما قال ابن القيم عن أشباههم (ممن مُنع التوفيق وصُدَّ عن الطريق) هم في الأغلب على استعداد لشرعنة كل ما يريده الأكابر وأصحاب القرار، فهم ارتضوا لأنفسهم مكانةً تبعية حيثما اتجهت بوصلة التغريب عبر اجتزاء النصوص وبترها من سياقاتها وعدم الاعتبار بالناسخ والمنسوخ وما نزل قبل الحجاب وما نزل بعده، فكل هذه الاعتبارات ساقطة، الأهم هو تقديم السند الشرعي المطلوب لكل مرحلة، وينخرط في سلك ذلك ما يفعله بعض الناس من الخلط  في أصول الاستدلال والقفز بين المذاهب ، أو ترك المذاهب كلها والعمل بظاهر السنة ، أو ترك ذلك كله والعمل بظاهر القرآن ، فحين يريد سوق الأدلة على كشف الوجه يروي لك قول المذاهب ويفخِّم من قول الجمهور ويعظم عليك مخالفته، أما في مسألة الغناء فإنه يدع هذا كله ليحدثك عن ابن حزم ، وإذا أراد تقرير مسألة ما والمخالف فيها ابن حزم وحده ، قال : ولم يقل بهذا إلا ابن حزم! أما إذا جاء لمسألة الغناء قال: أباحه الإمام الموسوعي أبو محمد ابن حزم!
فيا لمسالك النفوس!
وما أرادوا إلا تهتيك وشائج الفضيلة ، واللحاق بأي حافلة متجهة غربا!

علينا أن نعترف بقدرة هؤلاء على التشويش وإثارة الغبار وبلبلة المفاهيم، لا سيما بين البعيدين عن التعمق الشرعي، ومن أعظم ما يفتُّ في أعضاد أولئك؛ هو نشر نصوص الفضيلة وبث وصايا القرآن المتعلقة بالعفاف في الناس، وفضح جهل هؤلاء بنصوص الوحيين القطعية، فتحريم الاختلاط الدائم ليس ابتكارا من فقهاء متزمتين، وإنما حرم بنصوص متضافرة في الشريعة ، وللفقهاء نصوص قاطعة في تحريم الاختلاط الدائم بالنساء؛ ما يفعل من يريد تحطيم الحواجز الشرعية بين الجنسين بمثل قوله تعالى (فاسألوهن من وراء حجاب)
ومثل قوله (ولاتخضعن بالقول)
ومثل قوله(ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى)
ومثل قوله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)
ومثل قوله (يدنين عليهن من جلابيبهن)
  ومثل قوله (ولا يبدين زينتهن)
  ومثل قوله (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)
ومثل قوله (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في الصحيحين : ( لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها)
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي موسى : (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية)
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عقبة بن عامر في الصحيحين :(إياكم والدخول على النساء) إلخ إلخ ..

لكن أيها القارئ الغيور على محارم الله؛ أتدري ما يفعل الاختلاطيون من المنتسبين للعلم بهذه النصوص الشرعية التي تنقض أصولهم من القواعد؟!
لهم في ذلك مسلك ظريف جدا.. أتدري ما هو؟
إنهم يغفلونها تماما تماما كما لو لم تنزل!
  فهم يريدون شرعا مفصلا على قدِّ الحضارة المعاصرة، وهذه النصوص ربما تشوه جسدنا الحضاري أمام الغرب، فأفضل وسيلة هو إلغاؤها ودسها بالتراب!

أخيرا.. تأمل أخي القارئ هذه الآية التي من قرأها استغنى عن كثير من التفصيلات وتتبع النصوص وشعر ببرد اليقين ينساب بين ضلوعه ، إنها آية الأحزاب الجليلة وهي قوله تعالى (ولايضربن بأرجلهن ليعلم مايخفين من زينتهن)

قال السعدي عند تفسيره هذه الآية : [أي: لايضربن الأرض بأرجلهن، ليصوّت ماعليهن من حلي، كخلاخل وغيرها،فتعلم زينتها بسببه ، فيكون وسيلة إلى الفتنة، ويؤخذ من هذا ونحوه ، قاعدة سد الوسائل ،وأن الأمر إذا كان مباحا ، ولكنه يفضي إلى محرم ، أويخاف من وقوعه ، فإنه يمنع منه ، فالضرب بالرجل في الأرض،الأصل أنه مباح، ولكن لماكان وسيلة لعلم الزينة، منع منه]

  إذن فالشريعة تنهى المرأة عن مجرد الضرب بقدميها كي لا يسمع صوت خلخالها المستور!
  هذا الميزانُ الشرعيُّ الجلي في ستر النساء خذه بيدك واضرب به من شئت وما شئت من دعاوى فهم الشريعة!

ثمة جملة تحترق في حلقي، لكني سأقولها على مضض:
يوما ما سيُكتب على حائط التاريخ أن اليد التي لم تفتأ تنخر جدار الفضيلة صافحتها يد فقيه أغمض عينيه عن مكر الليل والنهار ، وطفق يتحدث بلغة باهتة: ليس كل الاختلاط حرام!
(من قال هذا أصلا؟!)
يقوم المنكر القطعي فينكره أهل الغيرة فيقوم هذا المتفقه ويسد سيل الإنكار بقصاصات واجتزاءات ونصوص مبتورة وفق الطلب!
يا من درستم الشريعة وقرأتم القرآن وعرفتم مقصود الشارع في عزل المرأة عن الرجل، بينوا هذا للناس ، أدركوا اللحظة الفارقة لترجحوا كفة الفضيلة في معركة فرض الاختلاط!

0
شخصية المشروع الإسلامي

يتمردُ كثير من الناس على التصورات الإسلامية حينما يتحدثون عن الإسلام وعن المشروع الإسلامي وكأنما يتحدثون عن مشاريع بشرية، متجاهلين حقيقة أن الإسلام هو شرع الخالق المالك سبحانه الذي لا معقب لحكمه ولا لشرعه، فلا تجوز المساواة بين شرعه وشرع غيره من المخلوقات إلا في صورةٍ من أجلى صور الظلم وأعظمها، تجعل حق الخالق المالك سواء مع المخلوق المملوك، وهو الظلم الذي لا يغفره الله أبداً، ويغفر ما دونه من ظلمٍ مهما عظم.

وفي ظل ضخِّ الفكر الغربي لمفهوم المساواة اللاديني شاعت تلك الممارسة التي يمكن أن نسميها: (شخصنة المشروع الإسلامي) حيث أصبح الإسلام وشرائعه عبارة عن رؤيةِ وغايةِ ثلةٍ من الأشخاص الذين آمنوا به، وبناء على ذلك يتم تجريد هذا الإسلام وهذه الشريعة من كل ما يميزه عن غيره من الرؤى والغايات التي يتمثلها أشخاص آخرون، ولّدت عملية التجريد تلك: إنكار حاكمية الشريعة وإلزاميتها بصورة الزعم أنها محتاجة لتصويت الناس عليها حتى تكون ملزمة، وإنكار منع الآراء والمشاريع التي تخالف المشروع الإسلامي، وعدم استساغة جهاد الطلب لأنه يمثل إظهاراً لدين الله على المواضعات البشرية المهدرة، وغير ذلك من مواقف ضحايا شخصنة الإسلام.

  وهذه الشخصنة أقرب إلى التفهم حينما تجيء نتيجة تبعية لإعلان الكفر بالله وبما في الإسلام من حقائق، لكن المفارقة تكمن في صدورها ممن يعلن الإسلام ويدين به، ثم هو لا يبقي أثراً لإسلامه حينما يتمثلها، يذكرنا ذلك بصنيع المنافقين الذين أعلنوا الإسلام ظاهراً لكنهم تنصلوا من هيمنته عليهم، إما لريبهم مما أعلنوه وإما لخوفهم من حكم الله على أنفسهم وشهواتهم: [أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ] {النور:50}

وأسلوب الشخصنة أسلوب قديم، كان يستعمله المبطلون المنتسبون للإسلام، فيختزلون الإسلام والسنة في شخوص الدعاة إليها، كما في قولهم : (تيميون) نسبة لابن تيمية، و (وهابيون) نسبة لابن عبدالوهاب، وهم هنا لا يعبرون عن اجتهادات الرجلين وإنما يعبرون عن الحق الذي يكون في بعض صوره أساس الدين والأصل الذي لأجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب (توحيد الله بالعبادة).

وهكذا نجد اليوم هوساً بالتصنيف يصل لدرجة أن بعض الكتاب لا يريد أن يستوعب شريعة ولا فريضة ولا مفهوماً جاء في القرآن والسنة دون ربطه في شخص مشهور أو غير مشهور، كما يقال عن الحاكمية التي نص عليها الله في كتابه: (مودودية وقطبية) ونحو ذلك، وآخرون لا يستوعبون فضيلة ولا تديناً ولا رسالة دون ربطها بالأحزاب والحركيات الضيقة كما يقال: (سرورية وبنائية وإخوانية) ونحوها.

وبعض هذه التصنيفات قد تكون حقيقية من جهة وجودها لا مناطها، لكنها تتعرض للتوظيف في مناطها حيث يتم تجاوز الحركة أو الرؤية الاجتهادية ليكون المناط: فريضة أو شريعة أو مفهوماً إسلامياً ربما كان من أصول الإسلام ودعائمه العظام التي لا يتصور الإسلام كدين بدونها.

  استجد في العصر الحاضر داخل المنتسبين للإسلام استخدام أسلوب الشخصنة مع الإسلام برمته، فيقال: (إسلاميون) ثم يكون هذا التعبير في سياق مساواتهم بغيرهم من أصحاب الأفكار والمشاريع، بل مثلهم كمثل الليبراليين واليساريين ونحوهم من شذاذ الآفاق، يجب أن تقف الدولة ويقف المجتمع من الجميع على مسافة واحدة، وحينما نذكر أن أسلوب الشخصنة قديم في المنتسبين للإسلام فإنهم يقعون فيه وهم يجهلون حقيقة الإسلام أو ينكرونها فينسبونها إلى الأشخاص، أما اليوم فهناك من يقرّ بزعمه أنه الإسلام وأنه شريعة الله، ثم هو يتحدث عنه كمشروع أشخاص عليهم ألا يفرضوه على الناس وليس لهم أن يعتقدوا العلو به وإلزاميته وليس لهم أن يوالوا ويعادوا فيه أو أن يقدموه على مرادات البشر... إلخ .

  ومن مظاهر الشخصنة في الاستعمال المعاصر: فصل شرائع الإسلام المتصلة بالجانب السياسي ونسبتها إلى ما يسمى (حركات الإسلام السياسي) والادعاء بأنها مبدعة هذه الشرائع والمفاهيم، بينما هي في كتاب الله وسنة رسوله منذ بزوغ فجر الرسالة، وإنما الجديد أنها نُحيت من حكمها للمجتمع الإسلامي فحُرم المسلمون من دينهم، وصارت إلى جانب الجماعات والأحزاب والتكتلات المعارضة بقوة الاستعمار الغربي وامتداداته من النظم العلمانية الدموية.

وقد ترك هذا الموقف العلماني الزائف أثره في بعض التوجهات المنتسبة للإسلام، خصوصاً (غلاة الطاعة) الذين تشربوه نتيجة لصوقهم بالحكومات، وغالب هذه الحكومات صيغت مواقفها من الإسلام وأهله صياغة علمانية، صار في ظلها كل مذكرٍ بحكم إسلامي أو شريعة قرآنية أو نبوية متصلة بالسياسة (إخواني) بالضرورة، أو متأثر بجماعة الإخوان، وهكذا يزري بالإسلام من يزعم أنه يدافع عنه، وكأن الإسلام في تاريخه الحافل لم يمتلئ بالمجاهدين والمحتسبين والعلماء الصادعين وحركات الإصلاح السياسي إلا بعد أن جاء الإخوان.

  يمكننا أن نقول إن أسلوب (شخصنة الإسلام وشرائعه) يصلح معياراً لاختبار الخلفية اللادينية وتمييزها عن الخلفية الإسلامية في البحث والتفكير، فمن سمات الفكر اللاديني التحدث عن الإسلام بوصفه خيار مجموعة من الناس اسمهم (الإسلاميين أو الفلانيين) فهو حتى لا يعبر عن المسلمين، وهذا الخيار ليس ثمة ما يميزه عن غيره من الخيارات المتعددة.

  بينما الفكر الإسلامي لا يُحتمل فيه موقف يصدر عن غير: (أن الإسلام دين الله الذي ارتضاه لخلقه وحكم به في ملكه وأوجبه وأبطل ما سواه) وما ينتجه هذا التصور من مواقف نفسية وعملية مستعلية بالإسلام وحاكمة به على كل ما يعرض في هذه الدنيا.

هذا لا يعني أن حملة المشروع الإسلامي هم في كل ما يمتثلونه يعبرون عن حكم الله، ولا يعني أنه ليس لهم خصوصيات في مشاريعهم، ولكن التمييز بين المستويين هو المتعين، ولا يجوز أن يدمج بين ما يحملون من دين الله وبين ما يحملون من خصوصيات واجتهادات، سواء كانت نهاية هذا الدمج الهبوط بدين الله أو التعالي ببشريتهم لمرتبة القداسة والعصمة.

وإذا تقرر أن الإسلام حق الله على العبيد، وأن شريعته من تصرف المالك في ملكه، فإن ذلك يعني أنه قد يحتمل فرض الرؤى الخاصة لحملة المشروع الإسلامي حينما يكون ذلك ملازماً لمشروعهم، وهذه الرؤى والاجتهادات الخاصة بأصحاب المشروع الإسلامي التي يحتمل فرضها لأجل فرضه منها ما هو اجتهادي ومنها ما هو من يسير الإثم .

فالاجتهادي: لا يكاد يخلو منه تطبيق لشريعة الله، فإن من يطبقها تعرض له من الحوادث والنوازل ما يقصر علمه بالشرع عن الإحاطة به، فيضطر للاجتهاد، ثم هو قد يصيب وقد يخطئ، ومن هذا القبيل ما ورد في وصيته صلى الله عليه وسلم لأمراء سراياه وجيوشه : (وإذا حاصرت أهل حصن ، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله ، فلا تنزلهم على حكم الله . ولكن أنزلهم على حكمك . فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا) ولا ريب أن هذا الأمير ما حاصرهم إلا بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن قد يعرض له من الحوادث ما لا يعرف فيه حكم الله فهنا يكون عليه الاجتهاد، وتكون رؤيته الاجتهادية مغمورة في بحر فضيلته ومهمته الكبرى التي هو بصددها وهي إخضاع الناس لحكم الله .

وما هو من يسير الإثم: فهذا في مثل صورة ما لو تخلى الناس عن القيام بشريعة الله إلا طائفة، وهذه الطائفة عندها من الشهوات اليسيرة في الحكم والسياسة، فحينئذ لا يمنع إثمها اليسير من خيرها العميم، وصحيح أن الواجب التحرز من الإثم، إلا أن عدم التحرز منه لا يلغي فضلية القيام بشريعة الله، وتميز هذه الطائفة عن غيرها ممن لم يقم به كلية.

ويمكن أن نلحق بهذا القبيل ما عبر عنه شيخ الإسلام في بحثه لمسألة الملك والخلافة بـ (التعسر) ومراده تعسر قيام الأمراء والولاة بشريعة الله إلا بيسير من الإثم وحظوظ النفس (إذا تعسر فعل الواجب في الإمارة إلا بنوع من الملك فهل يكون الملك مباحاً كما يباح عند التعذر؟) [ الفتاوى 30-32 / 35 ] وله في هذا الموضع وغيره كلام مفصل في الموازنة بين الحسنات والسيئات مستضيء في تقريره بنور الكتاب والسنة وما اتفق عليه الفقهاء من قواعد المصالح والمفاسد عند تعارضها وتزاحمها.

0
مشروع النهضة عند علي عبد الرازق

علي عبد الرازق (1888-1966) :

ولد في قرية من قرى مصر الوسطى ولما بلغ العاشرة دخل الأزهر واتصل بالشيخ محمد عبده وفي عام 1910 دخل الجامعة المصرية لمدة عامين وحضر دروس نلينو في تاريخ الأدب العربي وسانتيلانا في تاريخ الفلسفة ، وفي عام 1911 حصل على العالمية ، وسافر إلى إنجلترا لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية ثم عاد إلى مصر بسبب نشوب الحرب ، وعين قاضياً في المحاكم الشرعية ، ولما نشر كتابه الإسلام وأصول الحكم قامت عليه اعتراضات شديدة واجتمعت هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر وقررت عزله من زمرة العلماء ومن القضاء فعاش بعد ذلك عيشة منزوية حتى وفاته .
لقد كان يمكن لدعوى العلمانية ألا تجد صدى بين الناس لو أنها لم تجد في شيخ أزهري مثل علي عبد الرازق نصيراً جريئاً لم يكتف بمجرد الدعوة وإنما ذهب إلى درجة الاعتقاد أن النصوص الشرعية تدعم قوله .
جاءت دعوى عبد الرازق بعد عام واحد من إلغاء الأتراك العثمانيين للخلافة فأثرت موجة شديدة من الردود والانتقادات ، وقد انطوت دعواه على دعوتين :
أولاً : فصل الشريعة عن النظام السياسي .
ثانياً : جعل نظام الخلافة ونظام القضاء على نظم غير إسلامية .
ويلزم عن الدعوى رد الحياة السياسية والاجتماعية بعد تحريرها من الدين إلى دائرة العلم الوضعي ، وهذا هوسبيل النهضة والتقدم عند عبد الرازق حيث قال " لا شئ في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا به واستكانوا إليه " ([1]) .
وقد لخص عبد الرازق دعوته في القول بأن الدين الإسلامي برئ من الخلافة وأنها ليست في شئ من الخطط الدينية ولا القضاء ولا غيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها لم يعرفها ولم ينكرها ([2]) .
لا شك في أن أدلة عبد الرازق لا تقوى أبداً أمام النقد الرصين ، فالزعم بأن الخطط والقواعد الإسلامية المتصلة بالجهاد والزكاة والغنائم والفئ والخراج وإقامة الحدود والقضاء أمور لا شأن لخا جميعاً بالدين هو تحد صريح لمعطيات النصوص الدينية والوقائع التاريخية الإسلامية ، أما القول بأن الدنيا أهون عند الله من أن يشغل بها فهو قول لا يكتسب قيمته في إطار ديني أو فلسفي إلا في سياق نظرة صوفية خالصة ، وأما القول أن النبي كان رسولاً يسمو على كل اهتمام اجتماعي وسياسي دنيوي وأن المسلمين قد انحرفوا برسالته وحرفوها فهو معادل للقول إن المسلمين لم يفهموا عن الرسول شيئاً ([3])  .
لكن لا شك أيضاً أن عبد الرازق قد كان على حق في نقده للتصور المتطرف الذي يحيط الخليفة بهالة من القوة والقداسة والسلطة التي لا حدود لها .
والحقيقة هي أن ما يؤخذ على عبد الرازق يمكن أن يرتد إلى أمرين :
الأول : تسخيره الشديد لقوى المنطق الجدلية والشكلية من أجل تسويغ قضية ذات أساس نفسي إرادي خالص هي رفض مبدأ الخلافة استجابة لبواعث تتصل برغبات سياسية .
الثاني : ممارسته لفضيلة الشجاعة في المنطقة الأقل خطراً تجنباً لسوء العاقبة فهو لم يجرؤ على مهاجمة رغبة سلطان مصر في التحلي بثوب الخلافة من أجل أن يحمي سلطاته بستار الدين ، ولم يجد أمامه إلا أن يثير المعركة مع الأوساط الدينية ، فبدلاً من أن يتصدى لخصمه الحقيقي ويقول له إن شروط الخلافة غير متوافرة فيه إطلاقاً ، تصدى للأوساط الدينية وزعم أن فكرة الإمامة باطلة أصلاً فأصابت الرمية الإسلام نفسه لا السلطان ([4]) .
هذا فضلاً عما أثاره بعض الباحثين أصلاً من أن الكتاب ليس من تصنيفه وإنما هو نقل غربي ، يتضح ذلك في الأفكار المنقولة واللغة الركيكة للكتاب .


(1) الإسلام وأصول الحكم ص 103 .
(2) المصدر نفسه ص 103 .
(3) أسس التقدم ص 339 .
(4) أسس التقدم ص 340 .

1
إصلاح وزارة الأوقاف


بمناسبة الإصلاحات التي يقوم بها الدكتور/ طلعت عفيفي وزير الأوقاف
هذا جزء من مقال للدكتور / محمد المسير رحمه الله عن إصلاح الأزهر
يوضح فيه جزءاً من رؤيته لإصلاح وزارة الأوقاف
كتب رحمه الله يقول:

يبقى تساؤل أخير وهو
إذا ضممنا أئمة المساجد إلى الوعاظ في إدارة واحدة للدعوة تحت لواء الأزهر الشريف، فماذا بقي لوزارة الأوقاف؟
والجواب هو أن وزارة الأوقاف في مصر تختلف عن مثيلاتها في العالم الإسلامي، فإن الأزهر الشريف لا يعرف إلا في مصر، ومصر لا تعرف إلا بالأزهر، فالأزهر هو حامي الحمى، وهو حامل اللواء، وهو الأب الحنون والأم الرءوم لكل عمل إسلامي في أرض الكنانة
ويمكن أن تظل وزارة الأوقاف ويكون دورها فيما يلي
رعاية شئون أوقاف المسلمين التي جادت بها نفوس خيرة في الماضي، والدعوة إلى الوقف الخيري بين أبناء المسلمين في الحاضر
بناء المساجد والإشراف على عمارتها
التعبير عن صوت الأزهر في مجلس الوزراء
تقديم المنح الدراسية لأبناء العالم الإسلامي
الإشراف على الجمعيات الإسلامية والتنسيق بينها
إدارة المقارئ وشئون القراء
رعاية الأقليات والمراكز الإسلامية في دول العالم
وبذلك نحقق لوزارة الأوقاف دورها المناسب الذي لا ينافس الأزهر ولا يشاركه، وتظل للأزهر الشريف ريادته ووحدته العضوية، ويصبح المنارة الشامخة في مصر المحروسة والعالم الإسلامي، يحمل الإسلام نورا وهدى للعالمين
وبعد؛ فهذه رؤيتي لإصلاح الأزهر والانطلاق به والتمكين له، أطرحها للمناقشة بين المخلصين من علماء الأزهر ومفكري الأمة، ولست حريصا على من يرضى أو يسخط حمية أو أنفة أو استعلاء، ولا أبتغي إلا وجه الله عز وجل، وأتمثل قول نبي الله شعيب { ِإنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
وأذكر الجميع بقول هذا النبي الكريمَ{  بقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }

0
ليكن عمرنا كله ... كرمضان الأخير


هكذا يجب أن يكون رمضاني الأخير، 
بل هكذا يجب أن يكون عمري كله.. 
وماذا لو عشت بعد رمضان؟! 
هل أقبل أن يراني الله عز وجل في شوال أو رجب لاهيًا ضائعًا تافهًا؟!
وما أروع الوصية التي أوصى بها أبو بكر الصديق أبا عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهما- وهو يُوَدِّعه في رحلته الجهادية إلى الشام.. قال أبو بكر: "يا أبا عبيدة، اعمل صالحًا، وعش مجاهدًا، ولتتوفَّ شهيدًا"(1).
يا الله! ما أعظمها من وصية! 
وما أعمقه من فهم!
فلا يكفي العمل الصالح؛
 بل احرص على ذروة سنام الإسلام.. 
الجهاد في سبيل الله.. 
في كل ميادين الحياة.. 
جهاد في المعركة مع أعداء المسلمين.. 
وجهاد باللسان مع سلطان جائر.. 
وجهاد بالقرآن مع أصحاب الشبهات.. 
وجهاد بالدعوة مع الغافلين عن دين الله.. 
وجهاد للنفس والهوى والشيطان.. 
وجهاد على الطاعة والعبادة، 
وجهاد عن المعصية والشهوة.
إنها حياة المجاهد..
وشتَّان بين مَنْ جاهد لحظة ولحظتين، 
وبين مَنْ عاش حياته مجاهدًا!
ثم إنه لا يكفي الجهاد!!
بل علينا بالموت شهداء!
وكيف نموت شهداء ونحن لا نختار موعد موتتنا، 
ولا مكانها، 
ولا طريقتها؟!
إننا لا نحتاج إلى كثير كلام لشرح هذا المعنى الدقيق، 
بل يكفي أن نُشير إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتضح المقصود.. 
قال: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ».
ولتلحظْ -أخي المسلم، وأختي المسلمة- كلمة "بصدق" التي ذكرها الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم.. فالله مطَّلعٌ على قلوبنا، مُدرِك لنيَّاتنا، عليمٌ بأحوالنا.

0
سيادة الأمة ... قبل تطبيق الشريعة


- 1 -

في ظل الثورات العربية، وتحرير إرادة الشعوب، وإزالة الأنظمة الدكتاتورية؛ يبرز مشروع الإسلام السياسي كمرشح قوي للحكم وإدارة البلاد لأجل الانتقال والتحوّل بالواقع السياسي من فضاء الاستبداد إلى فضاء الديمقراطية، ومن ثقافة القمع والإقصاء والخوف التي رسختها الأنظمة الدكتاتورية إلى تعزيز وترسيخ ثقافة الحريات والتعددية وحقوق الإنسان، ومن عوالم الفساد والحرمان والجهل والظلم الاجتماعي إلى عوالم التنمية والتقدم العلمي والرفاه والعدالة الاجتماعية، ونحو ذلك من الاستحقاقات الثورية التي من أجلها بذلت الشعوب دماءها. وهذا يعني أن الإسلام السياسي أمامه اختبار تاريخي في بالغ الصعوبة والحرج، وأن بين يديه أمانة جسيمة تحمّلها عبر دماء الشهداء المناضلين الذين كانوا سببا في إزالة الدكتاتورية وتحرير إرادة الأمة.

إن على التيارات الإسلامية بكل أطيافها وأنواعها - قبل أن تخوض تجربة الحكم والسياسة - أن تطرح على نفسها السؤال التالي :

ما الذي تريده الشعوب العربية الآن في هذه المرحلة ؟ ما هو الشيء الذي ناضلت الشعوب من أجله وقدمت دماءها رخيصة له؟ لماذا دفعت الشعوب العربية هذا الثمن الباهظ؟ وما هو المقابل جراء هذه التضحيات الذي بذلتها الشعوب وما زالت تبذلها؟

لا أظن بأن ثمة خلاف في أن الشعوب العربية الثائرة لم تخرج إلا لأجل تحقيق (الحرية والكرامة والعدالة)، وواقع هذه الثورات ومشاهداها المتنوعة والمتكررة تؤكد هذا الدافع بوضوح، تؤكد بأن الشعوب إنما خرجت لكي تطالب بحقها السيادي على أوطانها وعلى منافعها ومواردها ومصارفها، وأن تكون مصدرا لجميع السلطات وأن تكون مراقبة ومحاسبة لحكوماتها التي تختارها بنفسها وتفوضها في إدارة شؤون البلاد. خرجت الشعوب لكي تحكم، لكي تكون لها السيادة، لكي تحرر البلاد من عصابات الفساد وأصحاب المنافع والمصالح الشخصية الذين تمكنوا على رقاب الناس عبر التحالف مع الأنظمة الفاسدة، خرجت لكي تمارس حقها في تأسيس مجتمعها المدني وحراكها الاجتماعي على كافة الأصعدة والمجالات دون وصاية أو قمع أو إرهاب. خرجت لكي تحطم سجون الباستيل المنتشرة في البلاد العربية وأن تزيل زبانية (الباستيل) وثقافة (الباستيل) وقضاة ووزراء داخلية (الباستيل).

في كلمة واحدة.. خرجت الشعوب لأجل سيادتها! نعم لـ(سيادتها) وليس لشيء آخر، وليس لدافع أيديولوجي سواء كان عقائدي ديني أو فلسفي وضعي.

ولكي نكون أكثر وضوحا: لم تخرج الشعوب لأجل تطبيق الشريعة مع شرف هذا المطلب وأحقيته للمجتمعات الإسلامية بلا شك، ولكن الشعوب لم ترفع هذا الشعار خلال مظاهراتها واحتجاجاتها، لم تخرج لأجل إحياء منهج أهل السنة والجماعة كما يظن البعض، أو لأجل نصرة مذهب السلف، لم تخرج لأجل محاربة المنكرات السلوكية، أو لكي تحطم المزارات والأضرحة، لم تخرج لأجل تطبيق المصارف الإسلامية أو لأجل السماح بالتعدد في الزواج أو لأجل فرض النقاب أو الحجاب أو منع الخمور والمراقص الليلية. لم تخرج الشعوب لأجل هذه المطالب. وإنما خرجت لكي تسترد سيادتها على أوطانها أولا، ولكي تكون هي المصدر الوحيد للسلطة وللشرعية وليس الفرد المتغلب ولا الحزب الحاكم الأوحد. لا يعني أن الأمة ضد هويتها الإسلامية ومرجعيتها الشرعية. بل نحن نعتقد بأن الشعوب هي أكثر أصالة ومحافظة لهويتها ولقيمها من أنظمتها الفاسدة البائدة، ولكن لم يكن هذا هو الدافع في خروجها وثورتها وإسقاطها لأنظمتها.

إذن استعادة (السيادة) على الأوطان هو الذي أخرج الشعوب العربية الثائرة ودفعها لبذل الدماء والتضحيات الجسيمة.

- 2 -

ماذا يعني هذا الكلام؟

يعني.. أنه لا يحق لأحد - بعد تحقيق سيادة الأمة - أن يفرض شيئا على هذه الأمة دون الرجوع إلى الاحتكام إلى إرادتها وإلى الدستور الذي اختارته عبر صندوق الاقتراع. فإن اختارت الأمة منظومة القيم والمبادئ الإسلامية كمرجعية عليا وإطارا للتشريع والقوانين فلا يحق لأحد أن يفتئت عليها أو يفرض ما يناقض ويعارض مرجعيتها الدستورية.

وإن اختارت شيئا آخر غير المرجعية الإسلامية؛ فيجب احترام خيارها ولا يجوز قهرها وإجبارها بشيء لا تؤمن به، لأنه لا خير في قيم ومبادئ لا تؤمن بها الشعوب ولا تتمثلها وتطبّقها إلا خوفا ونفاقا وتقيّة، وليس من مقاصد التشريع تحويل المجتمع إلى منافقين، وإنما غاية التشريع إصلاح الناس وتزكيتهم وتربتهم على قيم الإسلام. ولهذا كانت حرية المعتقد والضمير في القرآن من القضايا المحكمة والكلية التي لا ينبغي معارضتها أو تخصيصها أو نسخها بالمتشابهات والنصوص الجزئية وقضايا الأعيان، واستعراض آيات القرآن تؤكد هذا المعنى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس 108) {يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون} (المائدة 48) {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (الكهف29) {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فإنما يضلَّ عليها وما أنا عليكم بوكيل} (يونس 108) {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} (الرعد 40) {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين} (النحل 82) {فإن أعرضوا فما أرسلنا عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ} (الشورى 48) {فذكر إنما أنت مذكّر. لست عليهم بمسيطر} (الغاشية 21-22) ونحو ذلك من الآيات التي لا يتسع المقام لإحصائها. ولهذا في مثل هذا الخيار ليس على دعاة الإسلام سوى أن يمارسوا حقهم في البلاغ وفي دعوة الناس إلى مبادئ الإسلام والتبشير بقيمه وأخلاقه بالجدال والحكمة والموعظة الحسنة دون الفرض على الشعوب، لأن الفرض لا يكون إلا عبر إرادة الأمة من خلال مؤسساتها التشريعية والدستورية والقضائية. فإذا آمنت الأمة بقيم الإسلام انعكس ذلك بشكل ضمني على واقعها وتجسّد بصورة آلية في منظوماتها التشريعية والدستورية، ولكنّ ذلك لن يتحقق ما لم تكن (السيادة) بيد الأمة بمجموعها لا بيد فرد متغلب أو فئة أو حزب معين يحتكر السيادة دون الأمة.

لا يعني أن الشعب هو معيار المبادئ والقيم والأخلاق كما يتصور البعض. بل المعيار من حيث المنطق المعرفي هو المرجعية التي يؤمن بها الإنسان سواء كانت دينية عقدية/ أو فلسفية وضعية، ومعرفة الحلال والحرام في الإسلام لا يكون من خلال الاستفتاء الشعبي وإنما من خلال مصادر التشريع في الإسلام وعلى رأسها الكتاب والسنة.

والحكماء والأحبار والنظّار والفلاسفة عبر التاريخ ما كانوا يطرحون مفاهيم: الحق والباطل/ والخير والشر/ والنافع والضار/ والعدالة والظلم من خلال التصويت واللجوء إلى الأغلبية، بل كانوا يطرحون تلك المفاهيم ويؤصلونها ويؤسسونها من خلال مرجعياتهم وقناعاتهم وخلفياتهم الدينية والثقافية والفلسفية، فهي الحاكمة وليس الشعب، فالشعب ليست وظيفته فلسفة وتنظير وتبرير القيم والأفكار كما يتصور البعض. إنما وظيفة الشعب تنحصر في خلع السلطة والسيادة على تلك القيم والأفكار وتحويلها من مجرد قناعات أخلاقية إلى قوانين دستورية سيادية تطبيقية. بعبارة أخرى: وظيفة الاستفتاء هو الاحتكام إلى إرادة الناس حين تتصارع القيم والإرادات فيتم حسمها بمسار سلمي وحضاري لا بمسار الحروب والاقتتال والإرهاب والقمع والإقصاء وسفك الدماء وانتهاك الحرمات، كما كانت عادة الشعوب قديما؛ حيث كان المنتصر والمتغلّب هو من يملك الحقّ في فرض قناعاته وإراداته دون الرجوع إلى إرادة الشعوب.

أعيد وأكرر.. إن النقاش هنا ليس حول القيم في ذاتها من أين تستقى وما مصادرها؟ وإنما النقاش كيف نجسّد تلك القيم؟ كيف نحولها من قناعات إيمانية فكرية أخلاقية إلى مرجعية دستورية ذات سيادة مطلقة ؟ مساران لا ثالث لهما : إما عن طريق السيف والتغلب والقهر والإكراه وإما عن طريق إرادة الأمة الحرة والمستقلة!

وهذا يأخذنا إلى نقاش فلسفي لا يتسع المقام للاستطراد فيه؛ ولكن يكفي أن أشير إليه باختصار وهو: أن الاعتقاد بامتلاك أو اكتشاف الحقيقة لا يتضمن السلطة في فرضها على الآخرين، مفهوم الحقيقة مجرّد عن سلطة الإكراه، شرعية الحقيقة لا يلزم منه شرعية السلطة، شرعية الحقيقة لها مرجعيتها ومصدريتها المعرفية الدينية أو الفلسفية، بخلاف مرجعية السلطة التي إما أن يكون مصدرها: القوة والتغلب والتملك القهري، وإما أن يكون مصدرها: تفويض الآخرين بها لهيئة مخصوصة (كالحكومة) أو لفرد معين كوكيل عنهم. إذن سؤال الحقيقة يختلف تماما عن سؤال السلطة.

وهنا تظهر إشكالية المعارضين للديمقراطية، فيتصورون أن الديمقراطية تتيح للشعب بأن يحلل ويحرم من حيث الدين، وهذا غير صحيح، فالحلال والحرام في الإسلام وفي الأديان عموما لا تتم معرفته إلا من خلال مصادر التشريع وليس من خلال أغلبية الشعب. ومجالس التشريع في الديمقراطية ليست محل للفتوى ولبيان الأحكام الشرعية، وإنما هي محلّ لانبثاق وصناعة السلطة عبر القوانين الملزمة، وفرق بين أن يكون المجلس مصدرا للحكم الشرعي وبين أن يكون مصدرا لمنح السلطة والفرض والإجبار عبر القوانين الملزمة.

إذن، للحقائق والقناعات والأفكار مصادرها المعرفية بحسب مرجعية كل إنسان، لكن من يملك الحق في فرض هذه الأفكار والقيم ويجعلها مجسدة في أرض الواقع؟ قديما - كما قلنا - كان الأقوى والمنتصر والمتغلب هو الذي يفرض إرادته وقيمه وأفكاره على الشعب المغلوب والمقهور. بغض النظر هل كانت تلك الأفكار والقيم صالحة في نفسها أم فاسدة. وبغض النظر هل ذلك المتغّلب صالح في نفسه ونزيه وعادل في تطبيق تلك القيم أم هو مستغل وفاسد ومتلاعب وظالم. بغض النظّر عن هذه الاعتبارات الخطيرة يبقى أن الشعب مهمّش ليس له إرادة له أمام إرادة الحاكم المطلقة، ولا يحق له أن يختار قيمه وأفكاره وإراداته التي يؤمن بها ويعتقد بصلاحها.

- 3 -

من هنا كانت سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة، وتقديمنا لـ(السيادة) هنا وجعلها أولية ليس على (الشريعة) وإنما على (تطبيق) الشريعة، وفرق بين (الشريعة) وبين (تطبيق) الشريعة. الشريعة: عبارة عن معطى إلهي منزل مستمد من الوحي، ومتمثل في المحكمات والقطعيات والكليات الشرعية، وأما (التطبيق) فهو فعل بشري اجتهادي تاريخي لذلك المعطى الإلهي. فالتطبيق ليس دينا بالضرورة بل قد يكون مخالفا للدين، وقد يكون مفسدا لغايات التشريع ومناقضا لمقاصده.

وهذا يعني أن (تطبيق الشريعة) قد يكون معارضا لـ(الشريعة). وبالتالي فنقد ذلك التطبيق ورفضه وإنكاره لا يلزم منه إنكار ورفض (الشريعة) في نفسها، فالتطبيق محكوم بمبادئ وكليات ومقاصد (التشريع). وليس كل تطبيق هو موافق لمقاصد الشريعة.

لهذا فأولية مبدأ (سيادة الأمة) هي بالنسبة للتطبيق لا بالنسبة للشريعة. لأن مبدأ (سيادة الأمة) مبدأ شرعي في الأساس، أي عنصر من عناصر الشريعة وفرد من أفرادها. بخلاف التطبيق البشري الذي قد يتضمن أولية مبدأ (سيادة الأمة) وقد لا يتضمنه. وكم طُبِّقت الشريعة عبر التاريخ في كثير أو قليل من أفرادها بدون احترام (سيادة الأمة)، ولكن هذا (التطبيق) هل كان موافقا لمقاصد وغايات التشريع، أم كان مآله التلاعب والاستغلال والتعطيل والتحريف من قبل الحاكم الفرد الذي كانت السيادة المطلقة بيده دون الأمة ؟ التاريخ والواقع المعاصر يقول الثاني، إلا في حالات استثنائية ونادرة بسبب عدالة ونزاهة وفقه الحاكم، لكنه لا يلبث أن يموت ذلك الحاكم ويعود الأمر كما كان عليه من التلاعب والاستغلال والتعطيل. ولهذا فسيادة الأمة هو السياج الضامن، والفضاء الآمن، للتطبيق الأمثل للشريعة، حتى تكون رحمة وعدلا لا آصارا وأغلالا فيكفر بها الناس.

- 4 -

قد يقول قائل: السيادة في الإسلام للشريعة فقط. وليس للفرد ولا للشعب؟

الجواب: أن هذا القائل لديه إشكالية في فهم طبيعة الشريعة، فهو لا ينظر إلى الشريعة على أنها عبارة عن منظومة من القيم والمبادئ والأحكام، وإنما ينظر إليها كأنها أشبه بالكائن الحي الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويجلس على أريكته ويفرض قيمه وإراداته على الناس. هكذا يتصور البعض! ولا أقول هذا مجرد تصوير (كاريكاتوري)!! بل البعض فعلا يشعرك بأن الشريعة هكذا في تصوّره، ولهذا فهو دائما يقابل بين سيادة الأمة وسيادة الشريعة، فيقدّم سيادة الشريعة على سيادة الأمة، وكأن قيم الشريعة كائنات حية تملك الإرادة والقدرة.

وبالمناسبة؛ هذا التصور الواهم كان حاضرا في ذهنية الخوارج قديما (المحكمة الأولى) حين رفعوا شعار (لا حكم إلا لله)، وذلك عندما ذهب علي رضي الله عنه ومعاوية إلى التحكيم فاختار عليٌّ أبو موسى الأشعري واختار معاويةُ عمرو بن العاص. فاعترض الخوارج على ذلك بأنه (لا حكم إلا لله) أي أن الحكم لله وحده وليس للرجال!! فردّ عليهم أمير المؤمنين رضي الله عنه: "القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق، وإنما يتكلم به الرجال" (الطبري 5/66). فالخوارج كانوا يظنون بأن منح السيادة القضائية للحكمين (أبي موسى/ وابن العاص) يعارض ويناقض سيادة الشريعة. فردَّ عليهم أمير المؤمنين بأن الشريعة لا تنطق بنفسها وإنما يتكلم بها الرجال.

نعم؛ الشريعة لها سيادتها المطلقة من حيث اعتقاد المؤمن في نفسه، ولكنها تبقى سيادة علمية معرفية إيمانية، لا يمكن أن تتجسد في الواقع إلا عبر إرادة الأمة، الأمة هي التي تمنح الشريعة السيادة الفعلية وتجسّدها إلى واقع معاش، هي التي تحول قيمها ومبادئها إلى قوانين وتشريعات دستورية، وليس هذا خاص بالشريعة فحسب، بل أي منظومة قيمية وأخلاقية وفلسفية لا يمكن أن تتجسد في الواقع إلا عبر إرادة الإنسان وقدرته البشرية. وهذا الإنسان إما أن يكون حاكما متغلبا يملك بمفرده السلطة والسيادة المطلقة، وإما أن تكون الأمة بمجموعها؛ هي التي تملك السلطة والسيادة بحيث تتفتت السيادة بين أفرادها ولا يختص بها فرد دون فرد آخر. نحن إذن أمام خيارين لا ثالث لهما. إما الشعب وإما الفرد. وليس إما الشعب وإما الشريعة. لأن النقاش ليس حول (مرجعية الشريعة) كما يظن البعض، وإنما حول مصدر السلطة والسيادة التي تحوّل تلك المرجعية إلى قوانين دستورية ذات سلطة وسيادة مطلقة.

ونحن نعتقد بأن الأمة بمجموعها هي المخاطبة بالتشريع وهي المكلفة بالتطبيق وليس فردا أو فئة دونها. وغالب التكاليف العامة في القرآن موجهة إلى الأمة بمجموعها وليس إلى فرد بعينه.

أعرف بأن هناك كلام كثير حول هذا الموضوع وثمة إشكالات وتساؤلات، ولكن المقام لا يتسع لأكثر من هذا، لهذا سأقف هنا. ولكن أخير ا.. أتمنى أن يتحول ذلك الشعار الأثير :

(الإسلام هو الحل) إلى شعار (سيادة الأمة هي الحل)!

0
وطن ... للصامتين

ابنتي .. عن وطني تسألين؟
حيّرك السؤال .. وتهت أنا في الأجابة..
وكم أحب أن أجيبك .. وكم أخشى من الكذب ..
***
ابنتي..
هل تسمحين لي أن أستعير وجهك المطمئن .. وابتسامة فألك..
اعذريني .. لم يعد في رصيدي من هذين ما يكفي.. وأنا أحبك متفائلة..
لذلك دعينا نمحو سبورة الذكريات .. وأنا هنا .. سأتخيل هذه الكوة بوابة ضوء ..
وأنت هناك أشرعي النوافذ.. ننظر للأفق سوياً .. ونلتقي في مداه..
ونقرأ ما على السبورة .. فنمحو ..
المساحات التي أفرغها الظالمون من أبنائها .. ليست وطناً .. فنمحو ..
اللحظات التي مزقت أي صورة تجمعني بك .. ليست وطناً .. فنمحو ..
الزيارات التي حرّمها سعادته/طال عمره .. ليست وطناً .. فنمحو ..
دماء القمصان التي أروك إياها وهم يبكون .. ليست وطناً .. فنمحو ..
الليالي التي أهدتك لحاف الوحدة وشعور اليتم  .. ليست وطناً.. فنمحو..
الأخاديد التي صنعت تضاريسها الدموع في وجنتي أمك الصابرة .. ليست وطناً .. فنمحو..
الصحافة التي هي بين قوسين (خيانة) .. وخارج قوسيها (كذب).. ليست وطناً .. فنمحو ..
التقارير التي يرصفها مجرمو السلم .. يبيعوا بها نتفاً باقية من كرامة.. لعل نتفاً من (شرهة) ترتشفها الجيوب .. ليست وطناً.. فنمحو..
هذه (الوشوشات) التي يدلقها كل جيراننا في آذان أبنائهم .. كلما مررنا بهم .. كي لا يردوا السلام على المتهمين من أمثالنا.. ليست وطناً .. فنمحو ..
شائعات ترينها.. وتقرئينها .. تحشرنا في تهمة معلبة.. لكي نباع في سوق الدعاية.. ليست وطناً .. فنمحو
***
ابنتي..
إن سنواتي السبع في السجن .. سبع بقرات سمان..
عشت فيها بعيداً عن الفساد..
عن الوجوه الكالحة التي تسرق كل يوم.. ثم تبتسم لنا لتصطنع البراءة..
لم أعد أرى الظالمين نهاراً.. ولا العاصين جهاراً..
لقد جمع لي وطني هنا الصالحين .. فهم حولي بوجوه ملائكية.. وكلمات تنبض بالصدق ..
وأمنيات تبتعد بنا عن رائحة الطين..
كلما تحسست حائط السجن.. تعرفت على أجدادي الذين لن تقرئيهم في بطاقتي ..
أجدادي الذين نطقوا الحق .. فحاضر التاريخ عنهم..
وسجنوا في المكان .. ففتحت لهم أبواب الزمان..
فإذا سألتك المعلمة عن اسم أبيك يوماً .. فارفعي رأسك إلى أعلى نقطة في السماء ..
ثم اذكري اسمي كاملاً .. وأخبريها أنني أنتسب إلى ابن جبير وابن حنبل .. وابن تيمية والعز..
وإذا غلبتك الدموع .. فلا يغلب قلبك اليأس ..
وإن زارك الحزن .. فقولي له .. أنني والدك .. وأنني لا أحبه..
ثم حاولي الابتسام .. فإنني في ظلامي هنا..
أشرق فرحاً .. كلما ابتسمت هناك..
***
ابنتي ..
إذا انثالت بك خطواتك نحو المدرسة بدوني ..
ورأيت الطالبات يودعن آباءهن على بابها..
فافتحي دفترك واكتبي .. "وطني كثيرٌ صامتوه" ..
فأنا هنا يا ابنتي .. كي لا يزيد الصامتون ..
كي لا يصبح الوطن ليلاً .. لا ينشط فيه إلا اللصوص..
***
ابنتي..
أبلغي أمك السلام ..
إن قلبي لا يحتمل أن أقول لها غير هذا ..
فقد رفعت رأسها بي ..
يوم طأطأه الرجال
***
ابنتي..
إذا أشرقت شمس الصباح .. فاخرجي.. 
واستقبلي الشمس.. وابتسمي ..
فإن للغد حكاية .. حتماً سيكتبها الفرح..

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود