0
مشروع النهضة عند عبد الله النديم



عبد الله النديم (1845-1896) :
ولد في الأسكندرية وأنشأ فيها الجمعية الخيرية الإسلامية وساهم في الكتابة في صحيفتي المحروسة والعصر الجديد ثم أصدر جريدة التنكيت والتبكيت ثم الوطن وشارك في الثورة العرابية وكان من أكبر خطبائها فلاحقته السلطات المصرية فاستتر عشر سنين ثم ألقي القبض عليه في 1309 هـ فسجن ثم أطلق سراحه على أن يخرج من مصر فغادر إلى فلسطين ثم سمح له بالعودة فأنشأ مجلة الأستاذ للنضال ضد الإنجليز فنفي مرة أخرى إلى يافا ثم سافر إلى الآستانة فعمل موظفاً في ديوان المعارف ثم مفتشاً للمطبوعات في الباب العالي حتى توفي .
حاول النديم تفسير ظاهرة التأخر عند الشرقيين بالإجمال لكنه وقع في إغراء التركيب بين الإسلام والفكر الغربي لأنه لم يجد وسيلة لتفسير ظاهرة التأخر غير النظر في الأسباب التي جعلت الأوروبيين يتقدمون في مدنيتهم فمعرفة أسباب التقدم الأوروبي تكشف بذاتها عن أسباب التأخر الشرقي إذ بضدها تتميز الأشياء . ([1])
لذلك رأى أن من العبث ربط التقدم والتأخر بالنواحي الجغرافية أو أن الدين الإسلامي نفسه سبب للتقدم أو مانع من التقدم .
بل رأى أن التقدم عند الأوروبيين له أسباب أربعة رئيسية :
1-    توحيد الممالك الأوروبية للغة في بلادها إماتة لحمية الجنس وتوحيداً لانفعالات السكان بفواعل اللغة .
2-    توحيد الأوروبيين للسلطة في ممالكهم الأصلية والمقهورة .
3-    توحيد الممالك الأوروبية للجامعة الدينية في ديارها .
4-    اجتماع كلمة ملوك أوروبا على حفظ الوحدة الأوروبية من مس الشرق لها .
وقد عزز هذه القوة ستة عوامل فرعية :
1-    إطلاق الغرب الحرية للكتاب في نشر أفكارهم .
2-    استثمار الأمم الغربية لأموالها في الصناعة والتجارة بحيث اتسعت الثروة ووفر المال .
3-    تشجيع دول أوروبا للمخترعات والصنائع النافعة بسنها لقانون الامتياز والمكافأة والشهادات العلمية والعملية ونياشين الشرف .
4-    مكافحة الدول الأوروبية للأمية وتوحيدها للتعليم ونشرها .
5-    أخذ ممالك أوروبا بنظام المجالس وتحميلها المسؤولية للنواب والوزراء الخاضعين للقانون ولنظام الشورى .
6-    إحداث الأمم الأوروبية لمجالس السمر الفكري والأدبي والمدني العام .
ومع ذلك كله يعود النديم ليقرر أن الدين الإسلامي كان السبب الوحيد في المدنية وتوسيع العمران أيام كان الناس عاملين بأحكامه ، وهو يحث على أن يقوم العلماء اليوم بدورهم في عملية النهوض والارتفاع بالأمة ، كما يرى أن عليهم أن يقوموا بدور بارز في شؤون السياسة . ([2])
وفي النهاية يدعو من أجل إيقاف التيار الأوروبي ثم مضارعته قوة وعلماً ، إلى التحرر من موجبات التأخر التي تنطوي عليها الأسباب الرئيسية والفرعية السابقة .
ثم لم ير أي تناقض بين الطرفين من حيث إن مضامين التقدم ليست في نهاية الأمر إلا التمدن ذاته ، وإن الإسلام نفسه هو في طبيعته باعث على المدنية .
لكن هذا المنهج الذي اتبعه النديم يعلق عليه بأمرين :
الأول : كما يقول الأستاذ فهمي جدعان أن " تحليلات علي مبارك وعلي النديم التي قدماها عند نهاية القرن التاسع عشر ليست إلا جانباً ونموذجاً من تحليلات كثيرة شغل بها معظم مفكري هذه الحقبة سواء أولئك الذين كانوا متصلين مباشرة بعالم الدولة العثمانية ومشكلاتها الجوهرية ، أم أولئك الذين بعدوا عن دائرة هذه الدولة من دون أن يشغلهم ذلك عن الإحساس بالجامعة الدينية العميقة التي تربطهم بالأقطار الإسلامية والعربية الخاضعة للدولة العثمانية أو البعيدة عن سلطتها ، وعن الشعور بأن ثمة هماً مشتركاً وداء عميقاً تعاني منه جميع الأقطار العربية والإسلامية ، هو داء التقهقر والانحطاط " ([3])
الثاني : هل يستقيم فعلاً القول إن الأشياء بضدها تتميز ؟ وإن معرفتنا لأسباب نهوض الغرب تكفي لأن تكون مؤشراً يعرفنا بأسباب انحطاط الشرق ؟ إذ إلى أي مدى يمكن القول إن الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والدينية هناك مكافئة لقريناتها ههنا ؟



(1) سلافة النديم ج 2 ص 111 .
(2) سلافة النديم ج 2 ص 108 .
(3) أسس التقدم ص 184 .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود