0
ما الذي يضغط على الشباب نحو التبديل؟ (2-2)

مقدمة لابد منها ..
نعبر بـ"الانسجام" على الحالة النهائية لمصَالَحة النفس ، ومدى التوافق بين الفكر والروح والجسد ، في وضعية إنسانية اجتماعية ما .. وتتحكم في "الانسجام" عوامل متعددة ؛ كاللغة والجنس والثقافة والصفات الشخصية والقدرات ، ومن مغذياته الدين والتاريخ والتربية ..
إن القدر الكبير من الانسجام والقدرة على التعايش ضمن البيئة بنجاح ؛ ضرورة وحاجة نفسية ملحة ، إذ تتضح معها الخطوط الآمنة لتحقيق المصلحة المشتركة وأداء الحقوق والواجبات المتبادلة ضمن سعة احتمالية ممكنة .

ولهذا الانسجام اتجاهين -على الأقل- نعنيهما في المقال:
الأول: انسجام داخلي ؛ انسجام النفس مع المبادئ والقيم التي يؤمن بها وتطبيقها في الواقع العملي والالتزام بها.. ومؤشره الثبات.
الثاني: انسجام خارجي ، انسجام النفس مع البيئة التي ينتمي إليها أو يقُدَّر العيش فيها.. ومؤشره الدعوة والتأثير .
وللانسجام الخارجي دلالائل تؤكده ، من أبرزها :
1) القبول .
2) معدل الصفات المشتركة .

• أما ( القبول ) فهو مفتاح الدخول للعلاقة الجديدة ، فما لم يشعر المرء ضمن البيئة التي يقصدها (الأسرية - التعليمية - الوظيفية - مجموعات الأصدقاء..) بالقبول والترحاب المبدئي ، والذي يحدده الاستقبال الجيد واللقاء السلمي ، لن يكون قادراً بعدها على الانسياب في علاقة اجتماعية جيدة .

• أما ( الصفات المشتركة ) .. فذاك انجذاب الطيور لأشكالها.. ولازمة الاستقرار النفسي والانطلاق.. كم مرةٍ وجدت من ذي مهنة معينة ، حميمية مدهشة لشخص آخر ، لم يسبق أن التقى به ، سوى أنه يشاكله المهنة ؟..
والطالب المبتعث ، المسلم ، العربي ، في غربته يأنس لمثيله ، ويقترب للمسلم ، وللعربي أكثر ، ولابن بلده أكثر ، ولذات التوجهات أكثر ، ولذات التدين أكثر .. وهكذا تتقارب النفوس وتنسجم كلما تبدّت الصفات والمبادئ والقيم المشتركة بينها ..

وهذا فيه تحدي بين الانسجام مع البيئة -ذات التنوع الثقافي والتربوي والديني..- الذي يتطلب توفير مشتركات مقبولة تمكِّن برغمها من الاجتماع والتعايش ، وبين الالتزام بالمبادئ وإعلانها مهما كلف الأمر من صعوبات وتحديات مع البيئة ..

بعد المقدمة .. نشأة الصراع  ..

يتولّد "الصراع الداخلي" في الإنسان كثيراً من محاولة التقريب بين الانسجامين الداخلي والخارجي ؛ لا سيما في زمان الغربة وأماكن الاغتراب .
والإلحاح النفسي الذي يتولّد لتحقيق قدر من الانسجام ؛ ربما دفع بالمرء المسلم إلى إضمار شيء من المبادئ والأفكار والمفاهيم ودفنها في النفس أو تسويتها مع البيئة واختزالها عن الظهور توجساً من شذوذها الشكلي أو المعنوي والذوقي..

ولتجاوز مرحلة الصراع هذه واختصارها ؛ يفضِّل المنهزمون وضعيفي الإيمان بمبادئهم ، حصد المكاسب للانسجام الخارجي على حساب الانسجام الداخلي.. ويتأزم الحال وتشتد خطورته إن تم ذلك على حساب المبادئ العميقة المرتبطة بالهوية الإسلامية والمميزة لها ظاهراً وباطناً!

فحينما يتنازل المرء عن مبدأ جيد لأجل مبدأ رديء ووضيع ، كمن يتنازل عن روح المسؤولية والأمانة والإخلاص تمشياً مع عبث البيئة الجديدة وفوضويتها وغياب المسؤولية والأمانة ؛ فذاك تحقيق لانسجام خارجي ربما خفف الصراع النفسي -وربما لا تُدرك عاقبته- يكشف عن ضعف الانسجام الداخلي مع المبادئ والقيم والأفكار!

والذين يتعرضون للسفر لبلاد أجنبية من المبتعثين ، يواجهون صراعات حاسمة مع المبادئ والأفكار والمفاهيم ؛ لتعدد مستويات الاختلاف ، ربما دفع بعضهم -لحماسه ورغبته الشديدة في فرصة الابتعاث- إلى المساومة على المبادئ الشرعية الأصلية ، فيبدي انسجامه الخارجي على الداخلي فيضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مناحي متعددة ثم الانسياق وراء تحقيق إنسجامات متتالية في القيم والعادات وربما آلت إلى حرف السلوك والفكر ..

والشاب المسلم مالم يرفع راية الانسجام الداخلي أولاً ويعززها في نفسه -وهذا سر الثبات والتأثير- مع أصل الإيمان والقناعة التامة بقدرته على تطبيق شرع الله تعالى مع الاستطاعة والالتزام به، سيما في أزمنة الغربة وأماكن الغربة -وهل يخلو المسلم اليوم من غربة؟!- وإلا سيتحول جرياً وراء سراب الهوى ؛ لتحقيق سعادة وقتية ، بدعوى تحقيق انسجامات خارجية ، وتخفيف الصراعات الداخلية ، وخور ، وضعف ثم انسلاخ .. نسأل الله العافية والثبات .

وخير ما يعزز ضرورة الانسجام الداخلي للمسلم ويلبي له الحاجة في أقصى درجاتها ، أن يتوافق مع مبادئه الإيمانية النابضة في قلبه ضمن بيئة متوافقة معه في ذات النبض والتأثير .. الرفقة الصالحة التي تتشارك معه مبادئه وتمنحه سعادة الانسجام .
ولنا من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وخروجه من مكة التي أحبها معاني وإشارات تلخص لك الدرس ؛ إذ لم تتهيأ أرض الدين الواحد والقيم الواحدة هناك . .. فكانت الهجرة طريقاً في إيجاد البيئة التي تؤسس للانسجام الداخلي وتقويه وتهيء للانسجام الخارجي وتكونه ، إذ بهما بُنيت الدولة في النفوس وعمرت في الأرض!

والله أعلم

لعل فيما ذكر بيان لأسباب تضغط على الشباب نحو التبديل وليست مسوغات لذلك ..!
  فنستدرك على أنفسنا! بأننا هنا لا نسوّغ لأحد أبداً تبديله أو تراجعه أو نبرره (فكل نفس بما كسبت رهينة) .. ولكن هي محاولة للمعالجة وأسأل الله لي ولكل قارئ الثبات حتى نلقاه ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود