0
وطن ... للصامتين

ابنتي .. عن وطني تسألين؟
حيّرك السؤال .. وتهت أنا في الأجابة..
وكم أحب أن أجيبك .. وكم أخشى من الكذب ..
***
ابنتي..
هل تسمحين لي أن أستعير وجهك المطمئن .. وابتسامة فألك..
اعذريني .. لم يعد في رصيدي من هذين ما يكفي.. وأنا أحبك متفائلة..
لذلك دعينا نمحو سبورة الذكريات .. وأنا هنا .. سأتخيل هذه الكوة بوابة ضوء ..
وأنت هناك أشرعي النوافذ.. ننظر للأفق سوياً .. ونلتقي في مداه..
ونقرأ ما على السبورة .. فنمحو ..
المساحات التي أفرغها الظالمون من أبنائها .. ليست وطناً .. فنمحو ..
اللحظات التي مزقت أي صورة تجمعني بك .. ليست وطناً .. فنمحو ..
الزيارات التي حرّمها سعادته/طال عمره .. ليست وطناً .. فنمحو ..
دماء القمصان التي أروك إياها وهم يبكون .. ليست وطناً .. فنمحو ..
الليالي التي أهدتك لحاف الوحدة وشعور اليتم  .. ليست وطناً.. فنمحو..
الأخاديد التي صنعت تضاريسها الدموع في وجنتي أمك الصابرة .. ليست وطناً .. فنمحو..
الصحافة التي هي بين قوسين (خيانة) .. وخارج قوسيها (كذب).. ليست وطناً .. فنمحو ..
التقارير التي يرصفها مجرمو السلم .. يبيعوا بها نتفاً باقية من كرامة.. لعل نتفاً من (شرهة) ترتشفها الجيوب .. ليست وطناً.. فنمحو..
هذه (الوشوشات) التي يدلقها كل جيراننا في آذان أبنائهم .. كلما مررنا بهم .. كي لا يردوا السلام على المتهمين من أمثالنا.. ليست وطناً .. فنمحو ..
شائعات ترينها.. وتقرئينها .. تحشرنا في تهمة معلبة.. لكي نباع في سوق الدعاية.. ليست وطناً .. فنمحو
***
ابنتي..
إن سنواتي السبع في السجن .. سبع بقرات سمان..
عشت فيها بعيداً عن الفساد..
عن الوجوه الكالحة التي تسرق كل يوم.. ثم تبتسم لنا لتصطنع البراءة..
لم أعد أرى الظالمين نهاراً.. ولا العاصين جهاراً..
لقد جمع لي وطني هنا الصالحين .. فهم حولي بوجوه ملائكية.. وكلمات تنبض بالصدق ..
وأمنيات تبتعد بنا عن رائحة الطين..
كلما تحسست حائط السجن.. تعرفت على أجدادي الذين لن تقرئيهم في بطاقتي ..
أجدادي الذين نطقوا الحق .. فحاضر التاريخ عنهم..
وسجنوا في المكان .. ففتحت لهم أبواب الزمان..
فإذا سألتك المعلمة عن اسم أبيك يوماً .. فارفعي رأسك إلى أعلى نقطة في السماء ..
ثم اذكري اسمي كاملاً .. وأخبريها أنني أنتسب إلى ابن جبير وابن حنبل .. وابن تيمية والعز..
وإذا غلبتك الدموع .. فلا يغلب قلبك اليأس ..
وإن زارك الحزن .. فقولي له .. أنني والدك .. وأنني لا أحبه..
ثم حاولي الابتسام .. فإنني في ظلامي هنا..
أشرق فرحاً .. كلما ابتسمت هناك..
***
ابنتي ..
إذا انثالت بك خطواتك نحو المدرسة بدوني ..
ورأيت الطالبات يودعن آباءهن على بابها..
فافتحي دفترك واكتبي .. "وطني كثيرٌ صامتوه" ..
فأنا هنا يا ابنتي .. كي لا يزيد الصامتون ..
كي لا يصبح الوطن ليلاً .. لا ينشط فيه إلا اللصوص..
***
ابنتي..
أبلغي أمك السلام ..
إن قلبي لا يحتمل أن أقول لها غير هذا ..
فقد رفعت رأسها بي ..
يوم طأطأه الرجال
***
ابنتي..
إذا أشرقت شمس الصباح .. فاخرجي.. 
واستقبلي الشمس.. وابتسمي ..
فإن للغد حكاية .. حتماً سيكتبها الفرح..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود