0
مشروع النهضة عند قاسم أمين



قاسم أمين (1865-1908) :
كردي الأصل ولد بطرة وانتقل مع أبيه الضابط أميرلاي محمد بك أمين إلى الإسكندرية فنشأ وتعلم بها ثم بالقاهرة ثم أكمل دراسة الحقوق بالقاهرة وعاد إلى مصر فعين وكيلاً للنائب العمومي بالمحكمة المختلطة ثم مستشاراً بمحكمة الاستئناف وتوفي فجأة في القاهرة .
بدأ قاسم أمين منافحاً عن الإسلام وذلك حين تصدى في عام 1894 لكتاب الدوق داركور مصر والمصريون الذي رأى فيه أن الإسلام هو السبب الرئيسي في كل تأخر فهذا الدين لا يحث إلا على العلوم الدينية وهو يحبذ لأتباعه التواكل وعقيدة القضاء والقدر ، فنشر قاسم أمين كتاباً بالفرنسية بعنوان المصريون رأى فيه أن الجهلاء هم الذين أعاقوا ركب التقدم حين فسروا القرآن بحسب أهوائهم أما أن الإسلام قد وقف في وجه العلم فأمر غير صحيح .
تلك هي الروح التي بدأ قاسم أمين بها حياته الأدبية العامة ثم بعد سنوات رأى أن بعض الانتقادات التي وجهها الدوق للمجتمع المصري وخاصة لأوضاع العائلة والمرأة لها ما يبررها تماماً فألف كتاب تحرير المرأة ورأى أنه لا بد من عملية تغيير شاملة من أجل نهضة اجتماعية للأمة .
وأول شئ حرص قاسم أمين على إثباته هو أن الحالة الاجتماعية الموجودة مما ليس في الطاقة البشرية تغييره في الحال وإنما بالتدريج لكن التغير قانون كوني شامل لا يفلت من قبضته شئ وأن التغير هو شرط التقدم ، وأكد على أن هذا التغيير ليس للإسلام نفسه وإنما في العوائد وطرق المعاملة التي ألفها المسلمون بسبب غزو أفكار الأمم القديمة ، لذلك فإن الخصم الحقيقي لقاسم أمين هم أولئك المتمسكون بالتقاليد أو بالعادات ([1]) .
رأى قاسم أمين أن العادات والآداب مرتبطة ارتباطاً تاماً بالحالة العقلية للأمة ، لذلك فإن بين انحطاط المرأة وانحطاط الأمة تلازماً مع أن الشريعة الإسلامية قد كفلت للمرأة حقوقها لكن سبب انحطاطها يأتي من أمرين : الأول : تغلب أخلاق الأمم التي انتشر فيها الإسلام وعوائدها على هذا الدين ، الثاني : الاستبداد السياسي ([2]) .
ثم بدأ قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة يشرح وجهته حول تغيير بعض الأفكار بالنسبة للمرأة مثل التعليم والحجاب وغيره مستنداً إلى بعض الآراء من أصحاب الفكر الإسلامي ، ولم ترد كلمتا الحرية والإطلاق في الكتاب إلا مرات قليلة .
وجماع القول هو أن الأمة تجتاز مرحلة انحطاط وإن قانون التزاحم في الحياة يهددها بالاضمحلال والفناء لأن تمدن الأمم الغربية يتقدم على كل الجبهات في جميع أنحاء المسكونة ، فإذا كان ثمة سبيل للنجاة من الفناء فهي سبيل العقل والعلم والاعتماد على النفس .
ومع ذلك فإن إصلاح حال المرأة لا يتم بمجرد التربية وحدها وإنما يحتاج إلى تكميل نظام العائلة من خلال إعادة النظر في مسائل الزواج والطلاق والأسرة بشكل عام ([3]) .
تلك هي المبادئ التي وقف عندها قاسم أمين في كتاب تحرير المرأة ، لكن ردة الفعل على  الكتاب كانت مختلفة ، حيث جاءت بعض الردود إيجابية من محمد رشيد رضا وغيره ، في المقابل جاءت بعض الردود شديدة جداً من بعض الأزهريين والكتاب التقليدين ، فكان لذلك أثر سئ في نفس قاسم أمين دفعه في عام 1900 إلى كتابة " المرأة الجديدة " وهو كتاب لا يملك الباحث المدقق إلا أن يأسى لما يعكسه من وقوع انتقامي في أحضان الليبرالية الغربية البرجوازية , لذلك يمكن القول أن كتاب المرأة الجديدة هو الذي يستحق أن يحمل عنوان " تحرير المرأة " ([4]) .
لقد كان وقوع قاسم أمين في إشكالية التقدم البرجوازية الغربية سريعاً حقاً ، صحيح أن المرحلة الأولى القصيرة التي قطعها في كتابه تحرير المرأة قد انطوت على معظم عناصر نظرية التقدم لكنه لم يذهب إلى حد ربط المدنيات كلها بحركة المدنية الغربية ومسارها كما فعل في هذه المرحلة التالية مرحلة كتاب المرأة الجديدة ، والحقيقة هي ان حماسته أو إيمانه بواقعة التقدم قد انطوى على خطر صريح يتمثل في وضع حد للبعد التاريخي العربي الإسلامي ، أما الليبرالية المسرفة التي انطوى عليها مبدأ أفكاره الأخيرة فإنها تدخل المرأة المسلمة من غير شك في متاهة يصعب التعرف على نهايتها ([5]) .


(1) تحرير المرأة ص 31-32 .
(2) تحرير المرأة ص 37 .
(3) تحرير المرأة ص 132-133 .
(4) أسس التقدم ص 456-457 .
(5) أسس التقدم ص 470 .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود