0
ثانوية عامة سِيندْرُوم!


ظنَّ الناسُ أن شبح الثانوية العامة قد كفَّ هذا الشهر عن التجوُّل في أروقة ضميرِ أولياء الأمور.. كنوعٍ من التصييف حتّى يُعاود الانقضاض عليهم بعد شهرين: فيؤَرِّق نوم أهل طُلاَّب المرحلة الثانية، ويَقُضّ مضاجع أهل طلاّب السنة الأولى في الجامعات!!..

لكنه حقيقةً لم يكفّ ولم يهدأ ولم يـ rest in peace!!..

فالقتيل الذي مثّل مردةُ شياطين الإنس شبحَه لإخافة الناسِ لم يُدفن بعد!!..

فما كادَت النتيجة تظهر حتى انكبَّ بعضُ أولياء الأمور يُشكِّكون في ما حصل عليه أولادهم وطلبوا إعادة النّظر.. ولمّا حدَّدت الوزارة قيمة الكشف عن المادة الواحدة بـ "مئة جنيه" وجدت في خزينتها مليون وثلاثمئة ألف جنيه في أول يوم لدفع مصاريف إعادة النّظر!!..

جُهدٌ مشكور من الآباء بالطبع للاطمئنان على ثمرات جهود أبنائهم في: الحفظ بغير فهمٍ، وتحصيل المناهج الفاشلة باقتدار.. لكن لابأس!!.. هو جُهدٌ مشكور على أية حال لأن الدولة: ربطت دخول الكليات بهذا المجموع.. والمجموع رهن الدرجات.. والدرجات رهن الدَّشِّ والحرتِ.. فلابأس إذا من جَنْيِ ثمار الدَّشِيش!!..

كان عليَّ أن أنضمَّ لطوابير أولياء الأمور الحريصين هؤلاء.. لأذهب فأطمئنّ بدَوري على دَشِيشِ بعض أقاربي المقرَّبين الذين أرجو لهم كُلَّ خير.. ولما ذهبتُ فدفعتُ المعلومَ –من جيب وليِّ الطالبِ الأصلي لا من جيبي بالطّبع- وملأتُ الاستمارات حدَّدوا لنا زمانًا ومكانًا للاطِّلاع على صورة ورقة الإجابة المصونة –لا الورقة الأصلية– ويكأنّ الورقة إحدى مخطوطات "مالي" النادرة الموشّاة بالذهب.. و"مالي" بالطبع تختلف عن "وأنا مالي"!!..

لم أكُن متذمِّرًا فقد كان القريبُ قريبًا حقًّا، والإجراءات يسيرة ميسّرة والشُّكر لمن قام عليها وضبطها.. لكن اللافت لانتباهي والذي دفعني للكتابة ما رأيتُه هناك –في موقع الاطِّلاع- من مفارقات وغرائب!!..

لا أريدُ أن أسهب في الحديث عن أن غالبية مُعيدي النظر في درجاتهم هُنَّ الطالبات لا الطلبة!!.. هل صارت البنات أكثر حرصًا على مستقبلهن من الذكور؟!. رغم أن الذكرَ الأصلُ في فطرتِه: المنافسة، والمنابذة، والبحث عن التفوُّق.. ليكون: السيّد، والزعيم، والمتعملق!!..

ولا أريد كذلك أن أصف اهتمام أهل الطالبات بالمجيء والتدقيق؛ بينما غاب أغلبُ أولياءُ أمور الطلبة وتركوهم لواحدهم يبحثون عن أوهامهم فلا يجدونها!!.. تُرى هل انقلبت عقولُ الناس فأهملَت مستقبل الذكور لتهتمَّ بمستقبل الإناث وحدَهُن –ولاشك أن مستقبل الإناث مهمٌّ سواء بسواء-.. رغم أنه في أصلِ فِطرة البشرِ أنَّ الذكرَ هو المسؤولُ الأولُ عن: أمه، وأخته، وزوجته، وابنته.. لا المسؤول الأول عن: صفحة الفيس، وشلّة الكافيه والأنس بينما الإناث في الوظائف والكدحِ والهَرس!!..

ولن أدقِّق كثيرًا في صفات الحاضرات من الطَّالبات وأنهنّ عرائس ناهزن المراهقة فقاربن أن يُنهينَهَا وهُنَّ لازلن في حبس الدِّراسة بلا أملٍ في زواجٍ مُبكِّر وفق عادات المجتمع البغيضة وتحكُّماته الفريدة العنيدة!!.. تُرى هل تُجدي الدراسةُ مع منع الزواج في حلِّ مشكلة العنوسة أم علينا أن نتساهل في الزواج مع الدراسة وربما التضحية ببعض الدراسة من أجل الزواج!!.. فالبنت في ذلك السن في أوجِ نضارتها يخطبها الخُطَّاب، ثم يفترون ليعودوا عند التخرُّج، ثم يذهبون فربما عادوا بعد أعوام أو لا يعودون!!..

بالطبع ليست مقالتي هذه لمناهضة تعليم الإناث!!.. بل من أغراضها التوفيق بين تعليمهن وتزويجهنّ بانفتاحٍ تامٍّ على حاجاتهنّ العاطفية والفسيولوجية تمامًا كحاجات الذكور!!.. أما أمرَ اللهُ تعالى فقال: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).. لماذا تبقى البنتُ في خواءِ القلب وحاجة الجسدِ طوال فترة دراستها؟!. خواءُ قلبٍ قد يملؤه زميلٌ لها غير مناسب ولا صالح كزوجٍ لمجرّد أنه زميل ملأ فراغ عاطفتها.. والناسُ وما تعَوَّدُوا وهُم يُحبُّون ما يألفون!!.. ولماذا تبقى حِكرًا على الدراسة بلا تدريب على مهام المنزل أو الأمومة حتّى تبلغ الواحدة والعشرين فتتزوج عند تخرجها غُفْلاً كما كانت يوم أنهت الثانوية العامة!!.. فغُفْلاً بغُفْلٍ فلتتزوج باكرًا حتى لا تذبُل كوردة طال مُكثها في تُربتها أو عند بائع الزُّهور!!..

تقول إحدى الأخوات الفُضليات في ذلك الشأن –و تعمل طبيبة- : "هل مرَّ على الأرض زمنٌ كانت الفتيات فيه تنشغل بإتيكيت نشر الغسيل، وتصفيف الصيني في النيش، وشَغل مناديل الفرح، وألوان الحائط مع الكنب والتابلوهات؟

هل حقًّا أتى على البشرية ذلك الزمان السعيد الذي لم تكن فيه الفتاة تحمل همَّ سوق العمل ومنافسات المهنة وهموم أمَّةٍ تنتحر رضاءً لأعدائها؟

متى كانت آخر مرة جلست فيها فتاةٌ مصرية تنسِج مناديل الفَرَحِ باسمِها واسم زوجها مع صديقاتها؟؟ أعتقد أن آخر مرة كانت أيام الملك فاروق. رحم الله الأيام.. آثار انسحاقٍ شديد"..

وأقولُ مُعلِّقًا : نعم!!.. لقد انسحقت الفتيات –و هُنَّ القوارير- في رحىً ما كان للمجتمع أن يطحنهنَّ فيها.. بل على ذكوره أن يُطحنُوا فيها ويُسحقوا كجنسٍ قابلٍ فِطريًّا للطحنِ.. لينبُتَ من طحينِهم سعادة الفتيات والفتيان على حدٍّ سواء!!..

وسأمر مر الكرام على بحث الطالب وولي أمره عن درجة أو نصف درجة قد تنقله من كلية قاع إلى قمة –ولا أدري ما جعل هذه في القاع وتلك في القمّة إلاَّ عادة المصريين في العنجهية!!- ومن محافظة نائية إلى محافظته.. بينما يغفل الطالب وولي أمره عن البحث عن حسنة واحدة قد تنقلهما معًا من النار إلى الجنة!!.. مفارقة مؤلمةٌ حين أقارن بين الحرص على إعادة تصحيح الدرجة مع إهمال إعادة تصحيح أخلاق الولد أو حجاب البنت أو صلاتهم وغير ذلك ممّا هو فيصلٌ بين رضا الله الجليل وسخطه!!..

تُرى لماذا يُدقِّقُ الناس في درجة أو درجتين –قد تؤثر بالطبع في مستقبل ابنهما أو ابنتهما– ويسعون لمعرفة حقيقة التقييم ومن الذي ظلم وتسبَّب في هذا الهراء الناتج عن عدم تدقيق المصحِّح في درجات البُرعم الثانوي الناشيء –الولد- أهو انقطاع الكهرباء عن مروحة الفصل الضيق الذي كان يجري فيه التصحيح أم هي لذاعة الخروب الذي يُقدمه بائع العصير المقابل للمدرسة؟؟!!..

تُرى لماذا يُدقِّقون في درجات الثانوية العامة ويسعون لمعرفة الحقيقة حولها بينما هُم يأخذون: كلام عمرو أديب الأصلع الكذّاب، وقرينته لميس الحديدي الصَّدِئة، وكذا توفيق عكاشة وأنثاه القرَّاعين، ومصطفى بكري مطبِّلاتي كل العصور، وأبو حامد الصليبي –ومعظم هؤلاء بالمناسبة فاشلون في الثانوية العامة- يأخذون كلامهم كأنه الحقيقة الكاملة الناصعة الواضحة!!..

بل لماذا يُدقق أولياء الأمور في نتيجة الثانوية العامة ولا يُدقق الإسلاميُّون منهم في نتائج انحراف مشايخ وأساتذة العسكر.. الذين منحوهم جهودَهم وأصواتها في الانتخابات لخدمة قضية لا يتبنّاها هؤلاء الممنوحين حقيقةً!!.. ثم بعد التدقيق يقيسون الوسائل من قبل النتائج على ميزان الشرع ليعرفوا أين الصواب من الخطأ!!..

بل لماذا يدقق أولياء الأمور في نتيجة الثانوية العامة ولا يدققون في فتاوى إبراهيم عيسى أبو حمّالات الذي لا يفقه في كتاب الله ولا سنة رسوله شيئًا قليلا ولا كثيرا.. بل ربما هو عدوٌّ لهما بعبارةٍ أكثر صراحة ووضوح!!..

لماذا يدقق الناس في نتيجة الثانوية العامة ولا يدققون في كذب المجلس العسكري –كذب الإبل- الذي يُبرِّر به سفك الدماء وحرقِ الأشلاء وقطع الماء ووأد الكهرباء.. بل حبس خدمات كل من هو قائل باااااء.. باااااء.. باااااااااااء!!..

إني لأعتبرُ كل ما مرّ من "لماذا" بديهيًّا خاب من غفل عنه ولو كانوا 99.9% من مجتمع اكتسب صفات ما يأكله من خُضارٍ مُهَجَّنٍ وطير مُدَجَّنٍ وعجين مُليَّن وفاكهةٍ مسمومة!!..

لكن حقيقة أصل الداء لا تكمُن في مفردات الـ "لماذا"!!.. بل أصل الداء يكمُن في عنوان المقالة حقًّا!!.. فسبحان من جعل لكل شيءٍ نصيبًا من اسمه!!..

نحن شعبٌ سادة –يعني من غير سُكَّر– صار "المهمُّ" عندنا "ثانويًّا".. وأصبح "الخاصُّ" عندنا "عامًّا"!!.. تزحلقت "الأولويّةُ" من موضعها المتقدِّم لتصبح "ثانوية".. وحدث "للخصيصة اللَّصيقة" طفرة فصارت "عامَّة" ومشاعًا؛ وربّما انفقأت عيون بصيرتها فصارت عامية –عمياء يعني-!!..

لم تعُد الثانوية العامة مرحلة دراسية وحسب!!.. بل منهج حياة يوشك أن يذهب بكل مُهمّاتِ وأولويَّات الحياة!!.. لقد صارت ثانوية الأولويات وعمومية الخصوصيّات: مُتلازمةً مرضيّة Syndrome واضحة الأعراض ظاهرة المعالم لمن اقترب وتأمَّل وأراد الإصلاح!!..

فـ.. جيشٌ يصنع المكرونة بينما يستورد السِّلاح بل يستورد البيادة ذاتها!!..

وشبكة كهرباء تترك مصابيح الشوارع مضاءة نهارًا لتفصل الكهرباء عن المستشفيات والبيوت ليلا توفيرًا للكهرباء وقتلاً للأطفال في الحضَّانات!!..

أمهاتٌ يُعلِّمون بناتهنّ كلّ شيء إلا مُقوِّمات الأنوثة المكتسبة ومهاراتها اللاَّزمة!!..

وآباءٌ يجلبون المال بينما لا يُعلمُّون أبناءهم الأدب ولا يُفهمونهم طبيعة فسيولوجيتهم ولا الصحيح في توجيهها!!..

مشايخُ يتركون المنابر -حين رفع الأمنُ يده عنها- ليسكنوا البرلمان بينما "واحِد خمِّنا" يُصلِّي بالصفِّ الأول في جنازة شهداء الحدود!!..

آباءٌ وأمَّهاتٌ يسعون في توظيف أبنائهم وتعليمهم ثم هُم لا يسعَون في تزويج بناتِهنَّ الزواج اللاَّئق!!..

وأخيرًا وليس خاتمة الانجراف.. ما دفعني لكتابة المقالة أصلاً!!.. وهو البحث عن حقيقة ضياع درجة في امتحان مع الغفلة التامة العمياء عن حقيقة حال دار الوطنِ اليوم، أو حالة استقرار المآل في الوطن الأول و الأخير = دَّار الآخرة!!..

بالطبع كثيرٌ من انقلاب الأوليات هذا الذي شكّلت أعراضُة مُتلازمَةَ المرض المزمنة هذه "ثانوية عامة syndrome"؛ مقصودٌ ومُمنهج وليس ناتجًا عن الغفلة وانحراف الضمير المجتمعي كلِّه وانجرافه للعمى عن أولوياتِه!!.. لكن هكذا صار الحال في النهاية ثانويًّا عامًّا!!..

ولعلاج تلك المتلازمة المرضية المجتمعيّة.. فلا أقل من قيام الشباب والشيوخ على حدٍّ سواء بإعادة ترتيب الأولويات حين يضعون خُطط البناء وإعادة تأهيل المجتمع!!.. ثم لا أقل من أن تقوم الجمعيات والحركات والائتلافات الكثيرة التي نشأت مع الثورة وبعدها بدورها الواجب من تصحيح المفاهيم وتوضيح الأولويات بجلاء للناس سواء في الشأن العام والخاص!!.. وكذا في إنشاء مشاريع تشغيل للشباب الدَّارسين بما يتناسب مع ظروف دراستهم ليتأهّلوا لحمل المسؤولية وبدء الحياة العملية باكرًا عن سنِّ التخرُّج فيتمكنوا هُم أيضًا من الزواج المبكِّر لأنهم ليسوا كالفتيات قد تأتي الزوجة على حصانها الأبيض فتتلقفه وتطير!!.. لابد من التوعية وإنشاء المشاريع المختلفة فالإصلاح لا يأتي من الإعلام وحده!!.. وكما أن هناك جمعيات تختص بـ "التوعية بالحقوق السياسية" لابد أن تقوم الجمعيات أيضًا بـ "التبصرة بالأولويات الفِطريّة".. ليعود الأهمُّ أولويًّا بعد أن دُفِن في الثانوية وليعود الخاصُّ لانحصاره بعد أن انفتحت أسوارُه فصار عامًّا مَشاعًا..

يجب هذا الجُهد عمليًّا متوازنًا لتتفكك أعراض "متلازمة مرض الثانوية العامة المجتمعي" عَرَضًا عَرَضًا ويتم شفاء المجتمع منها بإذن الله.. فلابد للبناء من رؤية صحيحة ولابد للرؤية من بصيرة!!.. ولا بصيرة لمن انحرف عن واجبه الأول لدونٍ منه، أو حاد عن واجبه لنفلٍ لا يلزمه، أو غفل عن واجبه لضياعٍ يضره ولا ينفعه!!.. قد يختلف الناس حول الأولويات السياسية مثلا!!.. لكن كيف يبقى الناسُ مختلفين حول الأولويات البشرية الطبيعية وأولها معرفة الحقيقة الصريحة –و تتنوع إلى: فسيولوجية وعاطفية وتربوية.. إلخ– إلا إذا انتكست فِطرُ الناس في مجتمع يدَّعي أنه يهتدي بهدي الإسلام؛ و ينبغي عليه أن يفعل وإلاَّ فشل!!..

فيا معشر المصريين عودوا فابدؤوا بأولوياتِكُم!!.. والله الهادي سواءَ السبيل..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود