0
ما الذي يضغط على الشباب نحو التبديل؟ (1-2)

موضوع له أهميته وحساسيته لأولئك -وأحسبك أحدهم- الذين يتحرَّقون على الاستقامة ويستميتون من أجل الصبر عليها، وتبلغ المجاهدة لديهم أعلى درجاتها ؛ للثبات على فعل الطاعات واجتناب المعاصي وعدم إظهارها؛ ويخشون تبدل أحوالهم بين عشية وضحاها ويسألون الله اللطف وحسن الختام.. نتدارس هذا الموضوع لتخفيف حدة القلق التي تنتاب بعضنا نحو "المبدِّلين" ، والحيرة التي تحول دون رؤية دوافع التبديل وأسبابه، خاصة من أولئك الذين عَرفوا معنى الحَور والثبات وخطورة الكوْر و"التبديل" في الدنيا والآخرة، وما قد يواجه به "المبدِّل" من دهشة القريب قبل البعيد ؛ وتساؤل النحب قبل العدو ، كيف لا .. وقد أُسِّس على شيءٍ من القرآن والسنة ودروس العلم والدعوة والتربية والتواصي على الطاعات كانت تؤهله لاستدراك ما ينقصه ويحتاجه من الوسائل الأخرى الأنفع له ..

لا أتعرَّض في حديثي للأسباب العامة العاصمة من "التبديل" التي يعرفها طالب مرحلة متوسطة قد التحق بالمحاضن التربوية فضلاً عن قارئ هذه اللفتة الكريم؛ مِن تدبُّر بعض المواعظ القرآنية، والنظر في حياة السابقين الثابتين، وخلوات العبادة والمحاسبة والتنقية، وصحبة الأخيار الذين يمتازون بوهج الإيمان، وشغل الأوقات بالواجبات وأداء الحقوق والمندوبات، والبعد عن مواطن الفتن المنتشرة، ومقاومة غزو الشهوات لملك الجوارح (القلب)، والإقبال على العلم الشرعي والقراءة النافعة... وغيرها مما لا يخفى وتكفي الإشارة فيه ..

أود أن أشير إلى أسبابٍ أراها في غاية الأهمية وهي لا تدع للشاب فرصة كافية لطرد خواطره ، التي تؤزُّه أزّاً للقفز نحو قالب جديد (بعد التبديل)!!

والأمل أن نسعى -معاً- في ثنايا ذكر الأسباب إلى المعالجة واقتراح وسائل أخرى لذلك..

فمن جملة تلك الأسباب ما يلي:

1) الاقتراب دون الاحتراز :
إن الشباب الأخيار ينتمون إلى واقع منفتح على العالم كغيرهم ، تموج فيه الفتنة والشر أسرع من ذي قبل ، ويدركون أن الفتن سبب من أسباب "التبديل"..
إذن كيف راجت عليهم الفتنة وكيف سقطوا ؟! دعونا ننظر إلى السابقين الذين قضوا بثباتهم :
ألم يكن في عهدهم فتن تدعوا إلى "التبديل" ؟!
ألم يكن في جيل الثابتين ثمت نساء يُفتـِنَّ؟!
ألم يكن لنفوسهم ثورة لجمع المال وحبه ؟!
ألم تخامر خواطرهم شرب الخمور والتلذذ بها؟!
أخذ المكوس والرشوة وحبُّ الشهرة والتصدّر والتريّس... ألم تتوارد تلك المعاصي في أجيال الثابتين ؟!
ألا تكافئ لذة تلك الفتن والشهوات في ذلك الزمان هذا الزمان ؟!
هل يظنّ ظانٌّ أنَّ المعاصي في ذلك الزمان من يقترفها لا يفقد "الحسّ الإيماني" أو يفعلها بروحٍ إيمانية مثلاً! وهي علينا اليوم أشد ؟!

بالتأكيد.. لا .. (فلا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).. إذن القضية واضحة النتيجة، فالمعصية والفتنة أثرها واحد، وتتكرر في كل زمان.. والتلبس بها والاقتراب منها يُوقع فيها.

وقول رسولنا الرحيم صلى الله عليه وسلم: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب) ؟ ماذا كان يعني؟

إنَّ مباشرة أسباب الفتنة يُوقِع في الفتنة ولو كان أحدنا كابن الخطاب رضي الله عنه!

والذي جرى من الفاروق رضي الله عنه -فقط- أنه كان بيده شيء من التوراة فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له : "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب" ؟!

إن الشاب الخيِّر الذي يعيش واقع اليوم لابد أن يحاكم أوضاعه بطريقة مغايرة عن شباب الأمس ، ويكون أكثر انتباهاً واستبصاراً ليعي ذاته من داخله وخارجه، ويترقَّب جزئياته وما قد يطرأ عليها من التغيير أو "التبديل" ويتحسس ذلك؛ ليستدرك ويتنبّه تغلغل "التبديل"، الذي يتحول من مجرد الانكماش القيمي إلى زوال القيم!!
لنرى شيوع اللباس الأجنبي ، ومقتنيات الهوية الأجنبية ، والكلمات الأجنبية ، والكماليات الأجنبية... ثم تنتقل إلى الفكر الأجنبي، والتعلق بالأجنبي والانبهار به... والعياذ بالله

2) التشوق المحموم لهناء موهوم :
الشاب بطبيعته حيوي ، والشباب المنفتح لديهم تسارع نفسي ملحوظ ، ورصيد عاطفي غير متزن ، وتأهُّب تفاعلي مندفع ، يواكب المستجدات من حوله في عالم الترفيه والتقنية والموضة والدعاية والمتابعة والصدارة والشهرة.. همه التغيير، مهووس بالجديد، موهوم بالتململ، يفر من عقدة النقص فيكمل شخصيته بشكليات تملؤه، هي شهوته ولذته وغاية متعته، وكلما زاد منها رغب في المزيد، تسربت حياة المادة والأنوثة والتحرر إلى نفسه، فضعفت كوابحه، وتشوشت قيمه واختلطت مبادئه، فيفر من ضغط العجلة المادية الجديدة ليستنجد بأخرى أجد منها، وهذه تجعل -في نظر السائر نحو التبديل- في الحلول الإيمانية التي يعلمها (قراءة القرآن، وقيام الليل، والاستغفار، والدعاء، والإخلاص، والخوف من الله...) عاملاً بطيء التأثير، فلا يقوى على الصبر لثورانه وتوهج مشاعره لعمل شيء ما، فتعمى بصيرته، ويستعجل إزالة الهم والغم الذي يعانيه، فيلجأ إلى التغيير السريع الذي في حقيقته هو تغيير مؤقَّت!

وقد وقع في مثل هذا الغرب ، حين كنا نعجب منهم ولا زلنا ؛ إذ يملكون من عناصر المادة والتقنية والترفيه والتقدم والمال والطبيعة والحرية -كما يفهمونها- في أوسع حدودها ؛ إلا أن الأزمات النفسية لا تغادرهم والانتحارات والوقوع في حبائل المخدرات لا يفارقهم ! .. لماذا ؟!

نعم .. قد لا نلومهم لأنهم لا يعرفون المنهج الرباني الذي نؤمن به وفيه الطمأنينة والسكينة والراحة والثقة ..
لا نلومهم !
لكن علينا أن نتعظ منهم لتفسير ما يقع من بعض شبابنا اليوم -هداهم الله- وما قد يتأثر به الشباب الخيّر أيضاً؛ من تراجع وغياب قيمهم ملامح السنة الظاهرة .. فتستبدل بعد ذلك بالقيم الأجنبية الدخيلة (ففرَّوا من الموت وفي الموت وقعوا !)..
شيئاً فشيئاً ..
فإذا طغت حاجات الجسد وتلبيتها على حاجات الروح وتلبيتها ؛ تبدّلت الأحوال وتغيرت النفوس وساء المنقلب ..
والله المستعان.

وللحديث تتمة في جزء آخر بحول الله ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود