0
مشروع النهضة عند الطاهر الحداد



الطاهر الحداد (1899- 1935) :
ولد في تونس ونشأ في وسط متواضع لم ينعم ببحبوحة العيش فتحركت في نفسه الرغبة في الإصلاح الاجتماعي ومنذ طفولته تلقى تعليماً دينياً تقليدياً ثم انتقل إلى الجمعية الخلدونية وإلى جامع الزيتونة ليتتلمذ على يد المختار المؤدب وابن باديس وغيرهم .
اشتغل بالنشاط السياسي والنقابي في إطار الحزب الحر الدستوري التونسي القديم حتى عام 1930 ثم عاد إلى الدراسة ورغب في الحصول على شهادة الحقوق لكنه طرد من قاعة الامتحان بأمر ملكي بسبب كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع فدخل في مرحلة عزلة وانطواء بعد أن تم الطعن في وطنيته ودينه حتى توفي في ديسمبر 1935 وشيع جنازته عدد قليل جداً من أهله وأصدقاه .
كان الحداد هو أجرأ الانتقاديين الاجتماعيين النسوين بإطلاق فقد تخطى ابن الخوجة وقاسم أمين وغيرهم إلى حد رأى بعض نقاده أنه خرج صراحة من حظيرة الإسلام .
في كتابه مرأتنا أكد أن الإسلام ليس هو المسؤول عن المصير البائس الذي انتهت إليه المرأة في المجتمع الإسلامي ، وأن المسلمين – والفقهاء بصفة خاصة – هم الذين يتحملون تبعة هذا البؤس بسبب إنكارهم لقانون التغير الاجتماعي ولضرورة التوفيق بين الشريعة والظروف المستجدة وبسبب تعطيلهم لحركة الفقه الإسلامي لكن الطاهر الحداد حين أقام تمييزاً بين أحكام الشريعة الثابتة مما يتصل خاصة بالعقائد وبين الأحكام التي أملتها الظروف المتغيرة وقرر أن هذه الأحكام الأخيرة ينبغي أن تتغير بتغير الظروف والمجتمع مثل نظام الإرث وعقوبة الزنا وحظر تعدد الزوجات ([1]) .
وهذا الكلام بالتأكيد يعتبر إبطالاً لأحكام القرآن القطعية وجحوداً لبعض القرآن جرَّ على الحداد هجوماً من الكثيرين أبرزهم عبد الحميد بن باديس ومحمد الصالح بن مراد في كتابه " الحِداد على امرأة الحدَّاد " وغيرهم .
لذلك يمكن التعليق على مشروع الطاهر الحداد الإصلاحي الاجتماعي بأمرين :
الأول : أنه بلا شك أخطأ الطريق ، فعلى اعتبار حسن نيته – كما يقول ذلك من دافعوا عنه – فإنه قد تجاوز حدود الثابت في الدين وهذا ما عرضه للهجوم الشديد الذي أدى في النهاية إلى عزلته .
الثاني : يقول الأستاذ فهمي جدعان " الإسهام الحقيقي الذي لا ينكر للطاهر الحداد هو جهده الاجتماعي النقدي الذي انصب على قضايا التربية والزواج والحجاب في المجتمع التونسي عند الثلاثينيات من القرن الحالي فقد نقد نقداً عميقاً صريحاً غياب التربية المهنية والمنزلية والعقلية والأخلاقية لدى الفتاة التونسية ................ " ([2])
وبغض النظر عن رأي الطاهر الحداد وكذلك أيضاً موافقة الأستاذ فهمي جدعان له في بعض الأمور وثناءه على جهوده فإنه يمكن القول أنه حتى على اعتبار حسن النية فإن الجهود التي بذلت في هذا المضمار في القرن الماضي من الطاهر الحداد وغيره كانت ذات أثر سلبي لأنها أولاً تجاوزت حد الثابت وثانياً اختلطت بقوى تغريب ومخططات عميلة شيطنت هذه الأفكار وأخرجتها عن الشكل الظاهري الجميل لها ( وهو محاولة إصلاح أحوال المرأة والمجتمع ) مهما حاول أصحاب هذه الأفكار الدفاع عن أنفسهم ووطنيتهم .


(1) امرأتنا في الشريعة والمجتمع الكراسة 3 ص 206-231 .
(2) أسس التقدم ص 479 .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود