0
مشروع النهضة عند محمد كرد علي



محمد كرد علي ( 1876-1953 ) :
ولد بدمشق من أم شركسية وأسرة تنتمي إلى أكراد السليمانية بالعراق ، درس التركية والفرنسية وعين موظفاً في قلم الأمور الأجنبية واتصل بالشيخ طاهر الجزائري ومحمد المبارك وسليم البخاري وقرأ عليهم العلوم العربية والإسلامية وعهد إليه تحرير جريدة الشام الأسبوعية ثم رحل إلى مصر ليحرر جريدة الرائد المصري ثم مجلة المقتبس ، وتنقل بين مصر والشام حتى سقطت دمشق بأيدي الإنجليز والجيش العربي فعاد إليها وعين رئيساً لديوان المعارف الذي انقلب إلى المجمع العلمي العربي ثم أسندت إليه وزارة المعارف وبعد ذلك انقطع للبحث والتصنيف حتى وفاته .
عندما أراد العلامة السوري محمد كرد علي أن يحدد مشروعه للنهضة والتقدم بدأ أولاً بتحديد العلاقة بين القديم والحديث وبين الشرق والغرب حيث يلخص الوضع في مطلع القرن فيقول " ها قد أصبحنا بعد هذا النزاع بين علوم الدين وعلوم الدنيا والأمة شطرين : شطر هو إلى البلاهة والغباوة وشطر إلى الحمق والنفرة ، وبعبارة أخرى نسينا القديم ولم نتعلم الجديد ، ومن الغريب أن معظم المستنيرين بقبس العلوم الأوروبية منا لا يرجعون إلى آداب دينهم ، ويميلون في الظاهر والباطن إلى أن يكون الدين فقط جامعة تجمع الأمة على مثال الجامعات السياسية والجنسية وإذا سألتهم عن الحلال والحرام وعما شرعته الأديان صعدوا لك خدودهم .... تلك هي شنشنة أنصار الحديث أو الملاحدة والزنادقة الطبيعيين كما يطلق عليهم المتدينون ، وهذه حالة هؤلاء مع أولئك .... وبين هذين الفريقين فريق ثالث اختار التوسط بينهما فلم ير طرح القديم كله ولا الأخذ بالحـديث بجملته بل آثر أن يأخذ النافع من كل شئ ويضم شتاته " ([1]) .
كان كرد علي يرى أنه لا تتحقق النهضة والتقدم إلا بالسير في هذا الطريق الثالث المعتدل الذي يرى أنه لا بد من الأخذ من مدنية أوربا دون الانغماس فيها ، في المقابل كان حريصاً كل الحرص على الشخصية العربية ، وقد استدل على ذلك بالأوروبيين أنفسهم والأمم الحديثة التي تتشدد في عاداتها ولسانها وقيمها ، وقد أعجب محمد كرد علي بكتاب ديمولان سر تقدم الإنكليز السكسونيين الذي يقول فيه " كل أمة في القديم والحديث تأخذ من غيرها ما يناسب أو ما تدخله الأحوال في روحها وجسمها على غير شعور منها " .
أما الطريق إلى هذه النهضة فقد رأى كرد علي الأمل العظيم للأمة في العقول الكبيرة المثقفة التي تفكر وتمحص وتدبر وتدرب ، كما رأى في تكثير سواد أرباب الرأي والأخذ بأيديهم وتشجيعهم وشد أزرهم وسيلة مثلى لتعجيل هذه النهضة ، وأكد على أن التحرير السياسي للعالم العربي لا يمكن أن تقوم له قائمة إذا لم تكن أسباب التحرير العلمي ماثلة بصورة حية ([2]) .
كانت رؤية محمد كرد علي أن التأصل في التاريخ والتجذر في أعماقه والالتحام به باعتباره امتداداً عضوياً ضرورياً هو شرط أساسي لكل ترق في معركة العصر الحديث ، لكن هذا الامتداد التاريخي ينبغي أن يغطي الحاضر أيضاً ويفتح الطريق للمستقبل بقبول كل جديد في النهوض والاعتلاء ولم يكن هذا الجديد بطبيعة الحال سوى روح الحضارة الحديثة ، أما هذه الروح فقد تمثلت لدى كرد علي ومعاصريه في العلوم العصرية بالدرجة الأولى .
شكل محمد كرد علي هذه الصورة التنظيمية الإنشائية لمشروع النهضة والتقدم لكنه افتقد للتطبيق العملي سواء من العلماء والمفكرين الذين تقوم على أكتافهم هذه الصورة ، أو من الأمراء والقادة الذين يدعمون هذا التوجه .


(1) القديم والحديث ص 3 .
(2) غرائب العرب ج 2 ص 325 .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير محمد محمود
شخبطة © 2011 | عودة الى الاعلى
محمد محمود